حياته تغيرت إلى الأبد في غزة، نازح فلسطيني يصف ألم فقد 45 من أقاربه ويؤكد عزمه على إعادة البناء
في 20 تشرين الأول/أكتوبر عام 2023، وجد أحمد أبو عيطه نفسه مستلقيا على الأرض في بيت جيرانه وبعضا من الركام يغطيه بفعل ضربة جوية طالت بيت عائلته وحولته أنقاضا، كما قال في تقرير أعده زميلنا في غزة زياد طالب لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
وأضاف أحمد وهو يشير إلى الطابق الأرضي من منزل جيرانه الذي تضرر أيضا جراء القصف، “كنت على الدرج في هذه المنطقة، وأنا استغيث دون أن يسمعني أحد. لم يكن أي شخص موجودا في تلك المنطقة التي كانت تعتبر منطقة حدودية خطرة ولا تصلها سيارات الدفاع المدني أو الإسعاف. ظللت يومين راقدا هنا دون أن يتمكن أحد من الوصول لي، إلى أن جاء أحد الجيران يتفقد المنزل فسمع ندائي ومناشدتي”.
فقد أحمد في ذاك اليوم 37 فردا من عائلته علاوة على أفراد من عائلة زوجته الذين نزحوا من مناطق أخرى، “بعضهم مازال تحت الركام حتى هذه اللحظة”.
وقال أحمد: “ألم فقد أهلي وابني وزوجتي، شعور لا يوصف”.
حياة النزوح
جوناثان ويتال، كبير مسؤولي الشؤون الإنسانية في غزة، في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية وصف العام المنصرم بأنه “كان عاما من الدمار والتشريد واليأس في غزة. لقد دُمرت غزة بالكامل”.
وأكد أنه “من المستحيل وصف الدمار الذي حل بغزة. لقد نزح جميع سكان غزة تقريبا. لقد تم دفعهم إلى 13 في المائة فقط من إجمالي مساحة قطاع غزة، وكل غزة تحتاج إلى مساعدات إنسانية للبقاء على قيد الحياة”.
أحمد أبو عيطة مثله مثل أغلب سكان غزة، نزح مع من تبقى من أفراد عائلته لينتهي به المطاف الآن في إحدى مدارس وكالة إغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونـروا) في بيت لاهيا شمال غزة، والتي تحولت إلى مركز لإيواء النازحين.
وقال أحمد: “بعد أن كنا نعيش في شقة مساحتها 250 مترا مربعا، أصبحنا نعيش أنا و12 شخصا – هم من تبقى من عائلتي – في حجرة صف مدرسي”.
لم يفقد أحمد بيته فحسب، بل وشركة ومصنعا للأجبان والألبان كانت تمتلكهما عائلته وتوظف فيهما 50 عاملة وعاملا، مضيفا “كانت حياتنا طبيعية، وكان لدينا عملنا. وكل فرد في العائلة مسؤول عن مهمة في المصنع. وكنت أنا مديرا للتسويق للشركة”.
لكن وقعت الحرب، “فتغير كل شيء”، كما قال أحمد.
“حكم بالإعدام”
المسؤول في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، جوناثان ويتال ذكَّر بالواقع الإنساني الذي يعيش على وقعه أهل غزة، حيث “لا يوجد ما يكفي من المياه الآمنة. لقد انهار النظام الصحي. ليس هناك مأوى كاف، وليس هناك ما يكفي من الغذاء لمنع المجاعة المحتملة. ومع ذلك، كل يوم، تتم إعاقتنا عن القيام بعملنا لتقديم المساعدات الإنسانية”.
وقال ويتال إن العديد من سكان غزة يشعرون وكأن الجميع قد حُكِم عليهم بالإعدام نتيجة لما حدث في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، “إما أنهم يُقتلون بالقنابل والرصاص، أو أنهم يختنقون ببطء بسبب الافتقار إلى وسائل البقاء”.
وأضاف: “يبدو أن التمييز الوحيد هو السرعة التي تموت بها”.
وشدد على أن ما تحتاجه غزة هو “حماية المدنيين، وتسهيل المساعدات الإنسانية، والتوصل لوقف لإطلاق النار من أجل غزة، والمنطقة، وإنسانيتنا الجماعية”.
الافتقار إلى وسائل البقاء، هو ما يتعين على أحمد أبو عيطة التعامل معه في كل يوم، حيث قال “نواجه صعوبة في كل شيء. للحصول على المياه المفلترة مثلا عليك أن تنتظر دورك تحت الشمس إلى أن تتمكن من تعبئة غالونين من المياه. وأيضا هناك صعوبة في تأمين الحطب كي توقد نارا للطبخ”.
“سنعود أقوى من ذي قبل”
الأسى الذي ملأ عيون أحمد أبو عيطة وهو ينظر برفقة ابن أخيه إلى الركام الذي كان يوما يضج بالحياة والعمل، لم يمنعه من التصميم على التأكيد على أنهم ينوون إعادة تشغيل المصنع، “وأن نقف على أقدامنا مرة أخرى، وأن يظل اسم والدي موجودا وتعود الشركة كما كانت، ويعود العمال، وتدب الحياة فيها من جديد”.
وأكد أنهم لن يستسلموا وسيعودون من جديد للبناء والتعمير، مضيفا “سنعود أقوى من ذي قبل”.
وقال أحمد ردا على سؤال حول ما يتمناه الآن: “رغم أنه أمر مستحيل، أتمنى أن يعود أهلي الذين اُستشهدوا، زوجتي وابني. وأتمنى أن أرى ابني المصاب والموجود حاليا في قطر لتلقي العلاج، ولكنني لا أستطيع رؤيته. وأتمنى أن تعود الحياة لما كانت عليه قبل الحرب”.
إرسال التعليق