مجدي درويش يكتب عن نبى الله داود ” الجزء العاشر “
ونكمل الجزء العاشر مع نبى الله داود عليه السلام، وروى ابن أبي حاتم أن الوليد بن عبد الملك وكان خليفة قال لأبي زرعة أيحاسب الخليفة؟ فإنك قد قرأت الكتاب الأول، وقرأت القرآن، وفقهت فقال يا أمير المؤمنين أقول، فقال له قل في أمان الله، قال يا أمير المؤمنين أنت أكرم على الله أو داود عليه الصلاة والسلام؟ إن الله تعالى جمع له النبوة والخلافة، ثم توعده في كتابه، فقال كما جاء فى سورة ص ” يا داود إنا جعلناك خليفة فى الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ” فإذا يجب الحكم بالحق، وأن هذه المرتبة العظيمة يجب أن تراعى الحكم بين الناس، وأن القاضي لا يجوز له أن يحابي أحدا، ولا أن يقرب أحدا على أحد، والخصمان عنده في المجلس سواء، وفي الكراسي سواء، وفي السماع، ولا يقدم شخصا على آخر البينة على المدعي، واليمين على من أنكر، ونحن قوامون لله شهداء بالقسط، ولو على أنفسنا أو الوالدين أو الأقربين، وأما عن والد نبى الله داود عليه السلام فهو ” يسى ” وهو شخصية ذكرت في الكتاب المقدس في سفر صموئيل الأول، وهو والد الملك داود ثالث ملوك إسرائيل، ويسى هو ابن عوبيد وحفيد راعوث الموآبية و بوعز، وقد ولد وعاش في بيت لحم وكان من سبط يهوذا وعاش كمزارع وراعي أغنام، حسب سفر صموئيل.
وقد طلب الله من صموئيل أن يذهب إلى بيت يسى لكي ينصب واحدا من أبنائه كملك لإسرائيل، فذهب إلى هناك وقابل أبنائه ولم يخبر الله صموئيل إن أي أحد منهم هو المختار ليكون ملك إسرائيل، ثم سأل صموئيل يسى إذا كان له ابن آخر فقال له أن أصغر أبنائه موجود ويقوم برعاية غنمه، فذهب صموئيل إلى داود، فقال الله لصموئيل أنه هو الذي إختاره ليكون ملكا لإسرائيل فمسحه ملكا على إسرائيل، وأيضا أرسل يسى ابنه داود ببعض الطعام لأخوته الذين كانوا في الحرب وعندما ذهب لهناك واجه جليات الجبار وهزمه، وهو جالوت، وأما عن ” عوبيد ” فهو شخصية توراتية وحسب أسفار الكتاب المقدس هو ابن بوعز وزوجته راعوث الموآبية، وهو والد يسي، وجد نبى الله داود عليه السلام وتم تسميته كواحد من أجداد يسوع في الأنساب المسجلة في إنجيل متى، وإنجيل لوقا، وأما عن ” بوعز ” فهو شخصية في الكتاب المقدس ذكرت في سفر راعوث من سبط يهوذا، وذكر أنه أعجب براعوث الموآبية التي هاجرت من موآب إلى مدينة بيت لحم في إسرائيل والتي كان يعيش بها بوعز بعد موت زوجها هناك، وقد عملت راعوث بالبداية في مزرعته كي يقوم بوعز بطلبها للزواج وثم تزوج منها وأنجب منها عوبيد الذي أصبح أحد أجداد يسوع وداود حسب المعتقد المسيحي، وأما عن مملكة موآب فهو اسم مملكة قديمة تقع أراضيها اليوم في الأردن، وكانت تمتد على الساحل الشرقي للبحر الميت، من شمال مدينة الكرك إلى مدينة الشوبك.
وأرضها جبلية وتقع بمحاذاة معظم الشاطئ الشرقي للبحر الميت، ويشهد على وجود مملكة موآب العديد من الاكتشافات الأثرية، وأبرزها نقش ميشع الذي يعود للملك المؤابي ميشع الذبياني، ويوثق انتصار الموآبيين على ابن ولم يذكر اسمه لملك إسرائيل السادس عمري في عام ثمانى مائة وخمسين قبل الميلاد، وقد ذكرت هذه الحادثة أيضا في الكتاب المقدس في سفر الملوك الثاني في الإصحاح الثالث، وكانت مدينة ذيبان في الأردن هي عاصمة مملكة موآب، ووفقا للكتاب المقدس، كانت مملكة موآب غالبا في صراع مع جيرانها مملكة إسرائيل الواقعة جهة الغرب، وأما عن ” راعوث ” فهي أحد شخصيات الكتاب المقدس وهي الشخصية الرئيسية في سفر راعوث، وهو أول سفر مسمى باسم إمراة نظرا للرتبة الفائقة التي وصلت إليها راعوث، وهى تذكر في إنجيل متى كأحد أسلاف يسوع وهي امرأة موآبية وهي أيضا زوجة بوعز جد أب الملك داوود، وهذه الأحداث قد وقعت خلال حكم القضاة، إن أليمالك مع زوجته نعمي وإبنيه محلون وكيلون وهم يهود من سبط يهوذا يقطنون في بيت لحم، قد هاجروا بنتيجة القحط ضرب بني إسرائيل إلى أرض موآب التي تقع إلى الجنوب في البحر الميت ويبدو أن مكوثهم قد طال بحيث توفي أليمالك وتزوج ابنهما محلون وكليون من نساء موآبيات هما عرفة وراعوث وقد استمر زواجهما عشر سنوات.
ثم مات محلون وكليون فقررت نعمي العودة إلى بيت لحم لأنها سمعت أن القحط والمجاعة قد زالا من أرض يهوذا، فرافقتها كنتاها وخلال الطريق قالت نعمي لكنتيها اذهبا وإرجعا كل واحدة إلى بيت أمها وليصنع لكما الرب معكما إحسانا كما صنعتما بالموتى وبي، وليعطيكما الرب أن تجدا الراحة كل واحدة في بيت رجلها، لكن راعوث ونعمة رفضتا ذلك في البداية فأصرت نعمي، أرجعا يا بنتيّ، لماذا تذهبان معي؟ هل في أحشائي بنون ليكون لكما رجالا؟ عندها عادت عرفة ولكن راعوث رفضت وأصرت على البقاء مع حماتها، وقالت لها لا تلحي عليّ أن أتركك وأرجع عنك، لأنه حيثما ذهبتي أذهب، وحيثما بتي أبيت، شعبك شعبي وإلهك إلهي، فوافقت نعمي على اصطحاب راعوث معها، وعندما دخلت إلى بيت لحم تحركت واستغربت المدينة كلها بسبب عودتها لأن الكل توقع أن تدخل نعمى بأولادها وزوجها وأحفادها ومعها خيرات كثيرة ولكنها رجعت فارغة تماما فهي توفي لها أبنائها وزوجها فأخذت نعمي تندب حظها، قالت لهم لا تدعوني نعمي بل أدعوني مرة لأن القدير قد أمرني جدا، إني ذهبت ممتلئة وأرجعني الرب فارغة لماذا تدعونني نعمي والرب قد أذلني والقدير قد كسرني، وأما عن ” بوعز ” فكان على إثر استقرارها في بيت لحم طلبت راعوث من حماتها أن تذهب للعمل في حصاد الشعير، فاهتدت إلى حقل خاص لأحد أقارب حماتها نعمي اسمه بوعز.
وعندما عرف بوعز من هي طلب منها البقاء في الحقل والعمل دائما لديه، ثم أوصى سائر العمال والمشرفين عليهم بالاهتمام الخاص بها، إثر ذلك سقطت راعوث على وجهها وسجدت إلى الأرض، وقالت له كيف وجدت نعمة في عينيك حتى تنظر إليّ وأنا غريبة، فأجاب بوعز وقال لها إنني قد أخبرت بكل ما فعلت بحماتك بعد موت رجلك، حتى تركت أباك وأمك وأرض مولدك وسرت إلى شعب لم تعرفيه من قبل، وعندما عادت في المساء إلى حماتها وأخبرتها، تهللت نعمي للمرة الأولى وأخبرت راعوث أن بوعز هو الوليّ الثاني لهما، وعند نهاية موسم الحصاد، طلبت نعمي من راعوث أن تغتسل وتضع طيوبا على جسدها ثم تذهب إلى منزل بوعز وتضطجع عند قدميه، ففعلت راعوث ما طلبت نعمي منها، وعندما سألها بوعز من أنت؟ كشفت له عن نفسها وطلبت منه الزواج بها، وفق الشريعة اليهودية، فامتدحها بوعز، ثم سأل وليها الأول الذي لا عنه شيءا أن يشتري حصة نعمي من الحقل وأخبره أن عليه الزواج من راعوث مع شراءه الحقل، وذلك وفق أحكام الشريعة اليهودية، التي تنص على زواج الأرملة من أقرب أقرباء زوجها الذكور ليستمر اسمه في الأرض، فرفض الولي ذلك وإذ ذاك انتقل الأمر إلى بوعز الذي تزوج راعوث واشترى الحقل، وعندما أخبر بوعز الشعب بذلك فرحوا فليجعل الرب المرأة الداخلة إلى بيتك كراحيل وليئة اللتين بنتا بيت إسرائيل.
وراعوث قد حبلت من زوجها بوعز، في حين هنأت النساء في بيت لحم نعمي، لأن كنتك قد أحبتك، وهي غير لك من سبعة بنين، والولد الذي أنجبته راعوث هو عوبيد والد يسى والد الملك داود، ويؤمن المسيحيون أن راعوث هي رمز إلى كنيسة الأمم وخلاص غير اليهود في حين أن بوعز رمز ليسوع الذي هو المسيح، وفى القرآن الكريم قال الله تعالى في كتابه الكريم ” يا داوود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ان الذين يضلون عن سبيل الله، ونبي الله داود عليه السلام احد كبار انبياء بني اسرائيل، وقد كان حاكما لدولة كبيرة، وقد ورد ذكر مقامه العالي في عدة آيات من القرآن الكريم، ونبى الله داود عليه السلام الذي منحه الله قدرة واسعة، حتى ان الجبال والطيور كانت مسخرة له، ويسبحن معه حيث يقول تعالى “انا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والاشراق * والطير محشورة كل له اواب ” وإن من نعم الله عزوجل على نبيه داود عليه السلام ان سخر له بكل مجاميع الطيور كي تسبح الله معه ، وكذلك الجبال مسخرة لداود ومطيعة لاوامره وتسبح معه البارئ عزوجل، وتعود اليه “كل له اواب” اي كلها تعود الى داود بعدما ترتحل من اماكنها، وقد اراد الله عزوجل ان يواسي النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عندما آذاه المشركون وعبدة الاصنام في مكة والمدينة.
فضرب له الامثال وقال عزوجل ” اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داوود ذا الايد انه اواب ” فداود مع هذه القدرة العظيمة التي منحها اياه رب العالمين، لم يسلم من تجريح الآخرين، وفي هذا الكلام مواساة لخواطر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ان هذه المسالة لم تنحصر بك يا رسول الله فقط، وانما شاركك فيها كبار الانبياء عليهم السلام ايضا، وروي انه لما مات النبي طالوت، وكان اسمه شاول، ايضا، ملك داود على بني يهوذا، وكان لداود نسوة قد ولدن منه اولادا، واجتمعت بنو اسرائيل من الاسباط على تمليك داود فملكوه بعد سبع سنين ملكها على بني يهوذا خاصة، وهي بيت المقدس، وبنى بها منزلا، وتزوج النساء، فولد له بعد ان ملك اولاد كثيرين، وعز ملكه، واعظمته بنو اسرائيل، وكان سليمان افضل ولده، واصبح نبيا بعد ابيه، وكان داود عليه السلام شجاعا وقاتل في معارك كثيرة وحروب قوية منها قتاله مع الحنفاء فهزمهم، وقاتل اهل مؤاب وهزمهم، وقاتل اد دازار ملك سوبا فهزمه، واخذ له الف مركب وسبعة آلاف من الخيل، وعندما اجتمع اهل الشام ودمشق ليقتلوا داود، فقتل منهم اثنين وعشرين الفا، واستحوذ على الارض، فكان اهل الشام جميعا عبيدا له، اما من حيث قدرته السياسية، فقد كانت حكومته قوية، ومستعدة دائما لمواجهة الاعداء بكل قوة واقتدار، حتى قيل ان الآلاف من جنده كانت تقف على اهبة الاستعداد من المساء حتى الصباح في اطراف محراب عبادته.
إرسال التعليق