ماذا سيجني الاقتصاد المصري من استئناف الطروحات الحكومية؟

تستهدف الحكومة المصرية من خلال برنامج الطروحات تعزيز دور القطاع الخاص في الأنشطة الاقتصادية المختلفة، والتخارج التدريجي من النشاط الاقتصادي.

كما تستهدف من خلال طرح حصص في مجموعة من الشركات والبنوك المملوكة للدولة، أن توفر جزءاً من احتياجاتها التمويلية، والمساهمة في توفير النقد الأجنبي بالسوق، في ظل معاناة الدولة نقصًا بالعملة الصعبة.

في فبراير من العام الماضي، كان مجلس الوزراء المصري قد أعلن عن طرح 32 شركة مملوكة للدولة على مدار عام كامل لمستثمرين استراتيجيين، أو للاكتتاب العام في البورصة المصرية، ذلك قبل إضافة 3 شركات وأصول جديدة ليرتفع الرقم إلى 35، في إطار وثيقة سياسة ملكية الدولة بتخارجها من الأنشطة الاقتصادية على مدار  ثلاث سنوات في إطار تشجيع القطاع الخاص.

وتستهدف الحكومة إتاحة أصول مملوكة للدولة بقيمة 40 مليار دولار للشراكة مع القطاع الخاص المصري أو الأجنبي على مدار أربع سنوات بدءاً من 2022. وتستهدف أيضًا زيادة مشاركة القطاع الخاص في الاستثمارات المنفذة من 30 بالمئة حاليا إلى 65 بالمئة خلال ثلاث سنوات. كما تستهدف الحكومة تحقيق قيمة  10 مليار دولار كعائد سنوي في أربع سنوات.

وبلغت حصيلة برنامج الطروحات الحكومي منذ إطلاقه حتى الآن، بحسب ما أعلنت الحكومة المصرية في يوليو الماضي، بشأن إجمالي قيمة ما طُرح من الشركات والأصول منذ الإعلان عن برنامج الطروحات وحتى الآن، ما يصل إلى 5.8 مليار دولار.

ذلك بعد أن انتهت الحكومة من المرحلتين الأولى والثانية من جدول الطروحات المعلن بمعدل تنفيذ 100 بالمئة، ضمن وثيقة برنامج عمل الحكومة المصرية في هذا السياق.

وكان وزير المالية المصري السابق محمد معيط، قد ذكر في فبراير الماضي أن الحكومة المصرية تستهدف عوائد تصل إلى 6.5 مليار دولار من برنامج الطروحات الحكومية بنهاية عام 2024.

وفي أغسطس الماضي كان صندوق النقد الدولي  طالب الحكومة المصرية بتسريع وتيرة تنفيذ وثيقة سياسة ملكية الدولة عبر تسريع برنامج الطروحات الحكومية.

مشاركة القطاع الخاص

من جهته، أوضح مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية، الدكتور مصطفى أبوزيد، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن برنامج الطروحات الذي  أعلنت عنه الحكومة المصرية هو برنامج يهدف بالأساس إلى زيادة مساحة مشاركة القطاع الخاص في عملية التنمية الاقتصادية عبر زيادة الاستثمارات الخاصة بالاقتصاد المصري.

وأفاد بأن برنامج الطروحات كان قد توقف بسبب المتغيرات الاقتصادية التي تؤثر على فرص الاستثمار في تلك الشركات المطروحة بهذا البرنامج والتي تؤثر على تقييم الشركات، مرجحًا أن فترة التوقف ترجع إلى أن الحكومة المصرية ترغب في الحصول على أفضل عائد لطرح تلك الشركات خاصة بعد استقرار سعر الصرف.

وتوقع أن تسهم عودة برنامج الطروحات في:

  • ضخ المزيد من الاستثمارات المباشرة بما يدعم خطط الدولة المصرية على صعيد المؤشرات الكلية للاقتصاد.
  • المساهمة في تحقيق مستهدفات برنامج الحكومة المصرية فيما يتعلق بتحقيق اقتصاد قوي تنافسي عبر زيادة الناتج المحلي الإجمالي وزيادة التدفقات الدولارية من الاستثمار المحلي الخاص والأجنبى والصادرات المصرية.
  • تعزيز ثقة المستثمرين في مناخ الاستثمار، خاصة مع حزمة التسهيلات الضريبية والاستثمارية الأخيرة التي تم الإعلان عنها من قبل الحكومة المصرية.

وبحسب وزارة التخطيط المصرية مؤخرًا، فإن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بلغ 2.4 بالمئة في الربع الرابع من السنة المالية 2023-2024 ليبلغ معدل النمو السنوي 2.4 بالمئة، انخفاضا من 3.8 بالمئة في نفس الفترة بالسنة المالية السابقة.

ووفقًا للوزارة ذاتها ارتفع حجم ونسبة الاستثمار الخاص في مصر إلى 499.2 مليار جنيه في سنة 2022/2023 مقارنة بـ 298.5 مليار جنيه، لتصبح نسبة الاستثمار الخاص من إجمالي الاستثمار 36.4 بالمئة بدلًا من 25.5 بالمئة.

ووفقًا للخطة الاقتصادية والاجتماعية للعام المالي القادم تستهدف الحكومة المصرية وصول نسبة الاستثمار الخاص إلى 50 بالمئة من جملة الاستثمارات لعام 2024/2025

تخارج تدريجي

فيما أكد الخبير الاقتصادي، علي الإدريسي، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن برنامج الطروحات الحكومية في مصر ليس خصخصة بمفهومها القديم، لكن الحكومة تسعى لأن يكون هناك مشاركة أكبر من جانب القطاع الخاص، خاصة وأن الوضع الاقتصادي بالوقت الراهن يتطلب ذلك.

 وأشار إلى أن من الملاحظ أن الحكومة المصرية وقطاعها العام كانت تسيطر وتهيمن بشكل كبير خلال الفترة الماضية على النشاط الاقتصادي، وهو ما أضر بالوضع الاقتصادي للبلاد، لافتًا إلى أنه على سبيل المثال في العام الماضي وصلت  نسبة مشاركة الحكومة المصرية من إجمالي الاستثمارات الكلية المنفذة حوالي 79 بالمئة، بينما القطاع الخاص 21 بالمئة، وهو ما دفع الحكومة إلى أن تقوم بعملية تخارج تدريجي لتستهدف الوصول إلى 65 بالمئة على مدار ثلاث سنوات.

 وأكد أن عملية الطروحات من شأنها أن تقلل من الضغط على الموازنة العامة للدولة والتي يتطلب وضعها الحالي قيام الحكومة بإعادة النظر في المشروعات التي تتبناها بأن تكون مشروعات ذات جدوى اقتصادية واضحة وبالأخص على المدى القصير.

وأضاف أن المشروعات بالقطاع العام أيضًا لابد إعادة النظر في ملف إدارتها، فعلى سبيل المثال الكثير من المشروعات تحقق خسائر كبيرة وبعد إسنادها إلى القطاع الخاص تحقق أرباحاً كبيرة وهو ما يعكس وجود سوء إدارة.

وأكد أن العائد الاقتصادي لبرنامج الطروحات لن يظهر في ظل ارتفاع مستويات حجم الدين، والمصروفات التي  توجه إلى خدمة الدين أكثر من التعليم والصحة والأجور، لذا فهناك حاجة إلى تقليل النسبة من خلال الطروحات لتتحول المصروفات على المشروعات التي تتبع الحكومة وتتحمل أجورها وخسارتها إلى القطاع الخاص.

وبحسب البنك المركزي المصري، فإن الدين الخارجي للبلاد، هبط بأكثر من 15 مليار دولار منذ بداية العام، حيث واصل تراجعه في الربع الثاني من 2024، للفصل الثاني على التوالي.

وسجل الدين الخارجي لمصر بنهاية الربع الثاني المنتهي في يونيو حوالي 152.9 مليار دولار، نزولا من 160.6 مليار دولار بنهاية الربع الأول، بعد أن وصل إلى ذروته البالغة 168 مليار دولار في نهاية ديسمبر 2023.

بينما وفقًا للبيانات المنشورة على موقع وزارة التخطيط المصرية، فإن الدين المحلي المصري ارتفع في الربع الأخير من عام 2023 بنسبة 4.6 بالمئة، ليصل إلى 8.169 تريليون جنيه، مقابل 7.808 تريليون جنيه خلال الربع الثالث من العام نفسه.

ترك المجال للقطاع الخاص

وإلى ذلك، قال مدير مركز رؤية للدراسات، بلال شعيب، في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الظروف باتت مواتية لأن تتخارج الدولة المصرية من بعض الأنشطة الاقتصادية لتترك المجال إلى القطاع الخاص لأن يشكل النسبة الأكبر، وأوضح أن:

  • الحكومة المصرية في وثيقة سياسة ملكية الدولة تتعهد بإفساح المجال للقطاع الخاص أن يشكل 65 بالمئة من حجم السوق.
  • الحكومة المصرية تستهدف جذب الاستثمار الأجنبي من الخارج.
  • سعر الصرف في الدولة المصرية على مدار العامين الماضيين كان يعاني من عدم الاستقرار، لكن بعد السادس من مارس الماضي (تاريخ تعويم العملة)، شهدت السوق المصرية استقرارًا في سعر الصرف بعد تحريره، ما خلق فرصة لأن يكون هناك تدفق للاحتياطي النقدي الأجنبي الذي وصل تقريبا إلى 46.7 مليار دولار.

وفي سياق متصل، استعرض بعض التحديات والمعوقات التي من الممكن أن يواجهها برنامج الطروحات للحكومة المصرية، ومنها:

  • ارتفاع معدلات سعر الفائدة.
  • التوترات الجيوسياسية من تهديدات إيرانية إسرائيلية، وتهديدات جماعة الحوثي في مضيق باب المندب ضد المصالح الأميركية والإسرائيلية وهو ما له تأثير كبير بانخفاض ايرادات قناة السويس، فمنطقة الشرق الأوسط والعالم باتا على صفيح ساخن.
  • ارتفاع مؤشرات التضخم.
  • ارتفاع معدلات الديون العالمية.
  • حالة الركود الاقتصادي التي يواجهها العالم، فالصين على سبيل المثال وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم تواجه تباطؤ في معدل النمو الاقتصادي
  • عدم استقرار سعر الصرف، حيث أن المستثمر الأجنبي يحتاج استقرار لسعر الصرف وهو ما تعمل عليه الدولة لإعطاء رسالة طمأنة للمستثمرين.


source

إرسال التعليق

قد يعجبك ايضا