آمال "عمر" تنتهي في أول شهر جامعة.. حكاية مؤلمة من "أتوبيس الجلالة"(صور)
08:00 ص
الخميس 17 أكتوبر 2024
كتب ـ رمضان يونس:
“يا أمي أنا هجيلك يوم التلات عشان مخنوق وعايزك تفسحيني”.. رسالة مؤثرة تلقتها “إيمان. س” عبر تطبيق واتساب من ضناها “عمر” (طالب كلية علوم جامعة الجلالة) يشكو فيها الطالب الذي لم يشارف العقدين من الزمن ضيق سعة صدره في أول شهر له بالتعليم الجامعي، قبل أن يخبرها بعودته إلى المنزل للتخفيف عن حالته النفسية، ليحدث ما لم يكن متوقع ومغاير للطالب، انقلب الأتوبيس الذى يٌقله ونحو 50 طالبًا على طريق الجلالة العين السخنة بالقرب من الزعفرانة، ليلقي حتفه في لحظات.
الحادث الجلل؛ لم ينجو منه “عمر” وزملائه جراء انقلاب حافلة كانت تقله مع طلاب جامعة “الجلالة” على “طريق الموت”؛ أضحى نحو 12 حالة وفاة و33 إصابة من طلاب الجامعة، وفق ما ذكرته وزارة الصحة في بيان رسمي.
الرابعة عصرًا، بعد أن انتهى “عمر” من محاضراته في جامعة الجلالة، انتظر رفقة زملائه أتوبيس العودة حيث يقطن الطالب وآخرين في شقة مستأجرة بمدينة “بورتو” على طريق السخنة كانت المأساة حاضرة، قبل مغيب الشمس، انقلب الأتوبيس الذى يقل نحو خمسين من طلاب الجامعة الأهلية التي تبعد عن مدينة الطلاب قرابة ساعة جراء تصادمه بالحاجز الخرساني على طريق العين السخنة بالسويس.
كان المشهد مهيب أمام الجميع جثث متناثرة على الأسفلت وبقع دماء مُلطخة في كل مكان بموقع الحادث الأليم، بين كراسي الاتوبيس المنكوب انتهت حياة “عمر” قبل أن تصل فرق الإنقاذ عقب تلقيها بلاغ طارئ من إدارة شرطة النجدة بوقوع حادث مؤلم على طريق “العين السخنة”؛ الأمر الذي دفع هيئة الإسعاف المصرية بإرسال نحو قرابة 30 سيارة إسعاف على أمل إنقاذ أكبر عدد من المصابين من “أتوبيس الموت” إلى المجمع الطبي بالسويس.
كعادة كل يومًا، كانت “إيمان .س” ـ مدرس ثانوي بالهرم ـ تنتظر مُكالمة ضناها الوحيد “عمر”، حاولت ابنتها الكبيرة مراسلة شقيقها الأصغر عبر صفحته “فيسبوك” إلا أنها تفاجأت بانتشار مقطع فيديو يفيد بوقوع حادث انقلاب أتوبيس خاص بنقل طلاب جامعة الجلالة على طريق السخنة، لم تستوعب الأم ما قالته ابنتها الأم حاولت أن تتصل بنجلها لكن دون جدوى “لما شوفنا الحادثة على الفيس اتصلنا على عمر بس كان تليفون مقفول و محدش عارف حاجه هو في الاتوبيس ولا لا”. تحكي مرفت عامر في حديث عبر مصراوي.
على أمل نجاة “عمر” من الحادث المروع، قصد “أحمد حسن” مجمع السويس الطبي، وقلبه ينبض بالخوف يناجي الأب ربه بأن لا يصيبه مكروه في ابنه الوحيد “أبوه هو اللي شجعه يروح الجامعة دي عشان هو اللي اختارها وكان جا يب مجموع كويس وفرحان انه دخل الكلية دي”، وبعد نحو ساعتين وصل محطته الأخيرة السويس، أمام باب المجمع الطبي الذي يحتضن العشرات من
أمام ساحة الطوارئ التي تحتضن العشرات من الآسرة وغرف العناية وقف “أحمد” لا يقوٍ على أي شيء، يهم بجسد المرهق كغيرة من أهالي الطلاب الذين جاءوا من ربوع المحافظات؛ على كل سيارة إسعاف تنقل المصابين من موقع الحادث إلى المجمع، على أمل أن يجد كل منهم ابنه سالمًا، داخل طرقات المستشفى كان الأمر غيرعاديًأ أمام فرق الأطباء، تتعالى أصوات الأهالي وأنين المرضي، عقب إعلان حالة الطوارئ منذ إستقبال أول مُصاب من الحادث.
نحو 6 ساعات ظل يبحث فيها “أحمد” ـ محاسب ـ عن نجله “عمر” الذي انقطعت كل سبل التواصل مع منذ أن خرج من الجامعة، يمر فيها الأب جموع الأهالي وغرف الرعاية داخل المستشفى لكن لم يجد “عمر” بعدما تأزم الوضع بكِثرة المصابين، وحينما سأل أحد الأطباء نصحه بالتوجه إلى مستشفى السويس العام “هو ملقاش عمر ابنه في المجمع الطبي” حيث تواجد بعض الحالات “قالوا له روح المستشفى العام أسأل هناك!”.
على أحر من الجمر كانت “إيمان” الأم تنتظر ما يثلج قلبها الذي غص من الخوف ترسل بلهفة على جروب “طلاب جامعة الجلالة” صورة ابنها على أمل أن يكون أحدًا رأه في الحادث، “ابني أسمه عمر أحمد حسن .. حد يطمنا بنموت عليه!”، حتى انقلبت الأمور برمتها داخل منزل “عمر” طالب كلية العلوم، حينما أخبر الأب أن نجله استشهد في الحادث، بعدما رأي “أحمد” اسمه في كشف الضحايا والذي يضمن 12 فقيد ـ وفق ما ذكرته وزارة الصحة في بيان رسمي لها ـ لم يتمالك على أعصابه لحظة واحدة، أصابه الذهول من هول ما سمعه “ابننا طالع ميت من الاتوبيس ونقولوا على المشرحة”. تقول مرفت عامر في حديث مصراوي.
قلب “إيمان” ـ المدرسة ـ التي حصلت على لقب الأم المثالية في العام الماضي، ينتفض لا محالة، عقل الأم مشتت لا يصدق ما يحدث وكأن كل ذلك كابوس: “كان باعت لها رسالة على الواتساب بيقول لها يا أمي هاجي يوم التلات عايزك تخرجيني”، لم تلتقي الأم بابنها سوي أمام سيارة الموتى بعد غيابه قراب نحو شهر في جامعته التي رفضت في بداية الأمر دراستها فيها بسبب الطريق ” قالت له الطريق بعيد ووحش .. قال لها متقلقيش الطريق آمان”، ليبث الأبن الطمأنينة في نفس أمه “متقلقيش الطريق آمان” حتى ودعته في إلى مستقرة الأخير في مقابر عائلته بمنوف: “مات في اليوم اللي مفروض يجي يخرج مع امه”.
رحل “عمر” عن الحياة في رحلة علم، لكن ذكراه باقية في عقول والدته وشمسه لا تغيب عن أسرته.
ومن جانبه علق الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، على حادث أتوبيس الجلالة، معربًا عن تعازيه لأسر الضحايا، واصفًا الحادث بأنه أدمى القلوب.
وأشار “مدبولي”، خلال مؤتمر صحفي بمقر مجلس الوزراء بالعاصمة الإدارية الجديدة، إلى أنه على الرغم من الجهود المبذولة في تطوير البنية التحتية، إلا أن الحوادث لا تزال تحدث، إلا أن وتيرتها انخفضت بشكل ملحوظ مقارنة بالفترات السابقة.
وأكد رئيس الوزراء أن هناك توجهًا لفرض رقابة مستمرة على السائقين مع تكثيف عمليات التفتيش الدوري لضمان السلامة على الطرق.
وتابع “مدبولي”، أن الحادث نتج بالأساس عن خطأ بشري من سائق الحافلة، مشددًا على أن الحكومة ستتحرك بجدية للحد من هذه النوعية من الحوادث.
إرسال التعليق