لبنان: وكالات الأمم المتحدة تحذر من العودة إلى "أيام حرب عام 2006 المظلمة"
وفي حديثها من بيروت للصحفيين في جنيف في أعقاب ما وصفته بـ “أسوأ يوم في لبنان منذ 18 عاما”، أصرت نائبة ممثل منظمة الـيونيسف في البلاد، إيتي هيغينز، على أن “هذا العنف يجب أن يتوقف على الفور، وإلا فإن العواقب ستكون غير معقولة”.
وكانت الضربات الإسرائيلية واسعة النطاق التي شنت يوم الاثنين قد أسفرت عن مقتل أكثر من 500 شخص، بينهم 35 طفلا و58 امرأة، وإصابة 1645 في جميع أنحاء لبنان، وفقا لوزارة الصحة اللبنانية.
تداعيات كارثية على الأطفال
وأكدت السيدة هيغينز أن “أي تصعيد آخر في هذا الصراع سيكون كارثيا تماما لجميع الأطفال في لبنان، وخاصة العائلات من المدن والقرى في الجنوب والبقاع” الذين أجبروا على ترك منازلهم. وأكدت أن النازحين الجدد يضافون إلى 112 ألف شخص نزحوا بالفعل منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وقالت المسؤولة في اليونيسيف إن المدارس أغلقت في جميع أنحاء البلاد اليوم الثلاثاء، “مما ترك الأطفال في منازلهم في حالة خوف”. وأضافت أن أولئك الذين نزحوا “يصلون فقط بالملابس التي يرتدونها” حيث “نام الكثيرون في السيارات وعلى جانب الطريق، في بيروت وصيدا”، في حين أن “مقدمي الرعاية لهم يخشون هم أنفسهم من عدم اليقين بشأن الوضع”.
وقالت اليونيسف إن هناك 87 مأوى جديدا تستوعب الآن النازحين، الذين تتزايد أعدادهم كل ساعة، في محافظات الجنوب وبيروت وجبل لبنان والبقاع والشمال. وأشار المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ماثيو سالتمارش إلى أن لبنان كان لسنوات عديدة “مضيفا كريما” للاجئين، بما في ذلك ما يقدر بنحو 1.5 مليون سوري يعيشون في البلاد.
وحذر من أنه بسبب التصعيد الحالي، يواجه العديد منهم النزوح مرة أخرى – وهي أزمة جديدة “بعد كوفيد-19، والركود الاقتصادي وتأثير انفجار بيروت” قبل أربع سنوات.
“ألم نتعلم شيئا؟”
وأعربت المتحدثة باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان رافينا شمداساني عن الانزعاج إزاء “التصعيد الحاد في الأعمال العدائية بين إسرائيل وحزب الله” ودعت جميع الأطراف “إلى وقف العنف على الفور وضمان حماية المدنيين”. وأبدت أسفها لانتشار العنف إلى لبنان، متسائلة: “ألم نتعلم شيئا مما حدث في غزة على مدار العام الماضي؟”
وفي إشارة إلى تأثير هجمات الأسبوع الماضي باستخدام أجهزة النداء (البيجر)، قالت السيدة شمداساني إنه “من غير الطبيعي” أن “يفقد الناس أعينهم في الوقت الذي لا تستطيع فيه المستشفيات التعامل مع كمية عمليات البتر التي يحتاجون إلى إجرائها”.
وأضافت: “لقد سمعنا كل هذا من قبل، أليس كذلك؟ في العام الماضي وخلال العام المنصرم. هذا ليس طبيعيا ويجب أن يتوقف”.
وجددت السيدة شمداساني دعوة المفوض السامي فولكر تورك إلى خفض التصعيد، وأكدت أنه فيما يجتمع زعماء العالم في نيويورك للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة “يجب عليهم إعطاء الأولوية لإنهاء هذا الصراع”.
وأشارت السيدة شمداساني أيضا إلى أن حزب الله “أطلق مئات الصواريخ على إسرائيل”، مما أثار مخاوف بشأن “الطبيعة العشوائية” لهجماته. وقالت: “دعواتنا إلى احترام القانون الدولي الإنساني، موجهة إلى جميع أطراف الصراع، وهذا بالطبع يشمل حزب الله”.
شيء لم يسبق له مثيل
وفي حديثه عن الوضع الصحي في البلاد، قال الدكتور عبد الناصر أبو بكر، ممثل منظمة الصحة العالمية في لبنان، إنه بعد هجمات الأسبوع الماضي، أجريت أكثر من ألفي عملية جراحية وما زال ما يقرب من ألف شخص في المستشفيات.
وقال الدكتور أبو بكر، متحدثا من بيروت، إن منظمة الصحة العالمية تعمل مع السلطات الصحية اللبنانية منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي للتحضير لاحتمال وقوع إصابات جماعية، لكن تأثير هجمات الأجهزة اللاسلكية كان “غير مسبوق” ويمكن أن “يثقل كاهل أي نظام صحي”. وأوضح أن معظم الجروح ذات الصلة كانت في الوجه واليدين، وأن العديد من الأشخاص أصيبوا بإصابات في العين واليد، مما يتطلب “مجموعتين مختلفتين من العمليات”.
وقال: “معظم الأشخاص الموجودين في المستشفيات ما زالوا ينتظرون الجراحة، ولكنهم ينتظرون أيضا البتر. لم نشهد قط هذا الكم من الإصابات المتعلقة بالأيدي والوجه والأعصاب”، والتي تتطلب تدخلات من قبل أطباء متخصصين للغاية.
نشر الخوف والذعر
وفي معرض حديثها عن الغارات الجوية القاتلة التي وقعت يوم الاثنين، تحدثت السيدة شمداساني عن التقارير التي تفيد بأن عشرات الآلاف من الأشخاص في لبنان تلقوا رسائل عبر الهواتف الجوالة من الجيش الإسرائيلي تأمرهم بالابتعاد عن الأماكن التي يخزن فيها حزب الله الأسلحة. وقالت إن الرسائل بدت وكأنها تفترض أن المدنيين سيكونون على علم بمواقع تخزين الأسلحة، مما ساهم في نشر “الذعر والخوف والفوضى”.
وقالت شامداساني “إذا حذرت الناس من هجوم وشيك، فإن هذا لا يعفيك من مسؤولية حماية المدنيين. إن الالتزام بحماية المدنيين أمر بالغ الأهمية. لذا، إذا أرسلت تحذيرا للمدنيين بالفرار، فهذا لا يجعل من المقبول ضرب تلك المناطق، مع العلم تمام العلم أن التأثير على المدنيين سيكون هائلا”.
واختتمت السيدة شامداساني حديثها قائلة: “إن ما رأيناه هنا يثير تساؤلات حول احترام القانون الدولي الإنساني”، والذي يهدف إلى “حماية المدنيين وبالتالي إنسانيتنا المشتركة”.
مقتل موظفة وعامل متعاقد مع مفوضية شؤون اللاجئين
أعربت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن غضبها وحزنها العميق لمقتل اثنين من أفراد أسرتها في لبنان.
وقالت في بيان صحفي: “عملت دينا درويش في مكتب المفوضية في البقاع، شرقي لبنان، لمدّة 12 عاما. أصيب المبنى السكني الذي تقيم فيه دينا مع زوجها وطفليهما بصاروخ إسرائيلي يوم أمس، وتعرض كل من زوجها وأحد طفليها بإصاباتٍ حرجة وتم إسعافهما الى المستشفى لتلقي العلاج اللازم. اليوم، تم العثور على جثماني دينا وابنها الأصغر”.
وأضافت المفوضية أن علي بسمة عمل لدى مكتب المفوضية في صور لمدة سبع سنوات. وكان قد تم توظيفه من خلال شركة تنظيف متعاقدة مع المفوضية “وأصبح فردا من أسرتها في مكتب صور منذ ذلك الحين. وتم تأكيد وفاته في 23 أيلول/سبتمبر ليُدفن صباح هذا اليوم”.
أعربت المفوضية عن غضبها الشديد “لمقتل الزميلين العزيزين”، وتوجهت بأحرّ التعازي إلى أسرتيهما وأحبائهما.
وقالت المفوضية الأممية إن لبنان شهد أمس مقتل أكثر من 550 شخصا خلال يوم واحد. وأكدت أن حماية المدنيين حاجة ملحة، وكررت دعوة الأمين العام للأمم المتحدة إلى التهدئة العاجلة، ومناشدة جميع الأطراف حماية المدنيين، بمن فيهم عمال الإغاثة، بما يتماشى مع الالتزامات بموجب القانون الدولي الإنساني.
إرسال التعليق