كيف يتغير شكل الحروب في عصر الذكاء الاصطناعي؟

يقول الرئيس التنفيذي السابق لشركة غوغل، ورئيس مشروع الدراسات التنافسية الخاصة، اريك شميت، في مقال له بصحيفة “فاينناشال تايمز” البريطانية، إنه من الصعب تحديد أرقام دقيقة، لكن التقديرات تشير إلى أن الإنفاق العسكري العالمي زاد بنسبة 34 بالمئة على مدى السنوات الخمس الماضية. وقد تلقت شركات الدفاع الخمس الكبرى في الولايات المتحدة طلبات جديدة كبيرة.

ويضيف:

  • يتزامن هذا الطفرة الدفاعية مع ثورة تكنولوجية أخرى تتكشف من حولنا، ممثلة في الذكاء الاصطناعي.
  • مع زيادة ميزانيات الدفاع لتتوافق مع ثورة الذكاء الاصطناعي، ينبغي لصناع القرار في مجال المشتريات أن يفضلوا أنظمة الأسلحة التي يمكن تحمل تكلفتها، والتي يمكن استنزافها، والتي تتوفر بكثرة.
  • ونتيجة لهذا، فإن العديد من الفرص تأتي للشركات الناشئة وشركات الدفاع الناشئة.

ويستطرد كاتب المقال: إنني أستثمر في مثل هذه الشركات الناشئة؛ لأننا في حاجة إلى قدرات جديدة للتنافس في هذا العالم المتغير.

دور الذكاء الاصطناعي ومخاطره

من جانبه، أكد المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية، الدكتور أحمد بانافع، في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن الذكاء الاصطناعي يسهم بشكل كبير في تغيير مفاهيم الحرب الحديثة، موضحًا أن تأثيره يظهر في عدة جوانب رئيسية:

  • أولاً: سرعة اتخاذ القرار وتحليل البيانات؛ إذ يوفر الذكاء الاصطناعي للقادة العسكريين قدرة غير مسبوقة على تحليل كميات هائلة من البيانات في وقت قياسي، ما يمكنهم من اتخاذ قرارات أسرع وأكثر دقة في ساحة معركة تتغير باستمرار.
  • ثانياً: تطوير الأسلحة وأنظمة الدفاع؛ فالذكاء الاصطناعي يُضفي ذكاءً وقدرة على التكيف على الأسلحة، ويطور أنظمة دفاعية متقدمة قادرة على اكتشاف التهديدات وتحييدها بسرعة ودقة أكبر.
  • ثالثاً: الحرب السيبرانية، حيث يفتح الذكاء الاصطناعي آفاقاً جديدة لشن هجمات سيبرانية، تمكنه من اختراق وتعطيل الأنظمة الحيوية للعدو، مما يؤثر بشكل كبير على قدرته على القتال.
  • رابعاً: لروبوتات والطائرات المسيرة، إذ يسهم الذكاء الاصطناعي في جعل هذه الآليات أكثر استقلالية وفاعلية في تنفيذ مهام معقدة، مما يقلل من الخسائر البشرية.
  • خامساً: الحرب النفسية، فالذكاء الاصطناعي يُستخدم في نشر الدعاية والتضليل والتأثير على الرأي العام، مما يؤثر على سير العمليات القتالية.

وفيما يتعلق بالأدوات التي يمكن أن يقدمها الذكاء الاصطناعي للحرب، فإنها تشمل أنظمة الاستخبارات والتحليل، حيث يمكنه تحليل صور الأقمار الصناعية وتسجيلات الاستطلاع لتحديد مواقع العدو وتقدير قوته، ما يساعد القادة على وضع خطط عسكرية أكثر فعالية.

كما يمكن استخدامه في أنظمة توجيه الأسلحة بدقة عالية، مما يزيد من فعالية الضربات العسكرية ويقلل من الأضرار الجانبية. إضافة إلى أنظمة الدفاع الجوي، التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لاكتشاف الصواريخ والطائرات المعادية وتوجيه أنظمة الدفاع لاعتراضها.

أنظمة الحرب الإلكترونية

وأشار بانافع إلى أن هذه الأدوات تتضمن أيضًا أنظمة الحرب الإلكترونية، حيث يسهم الذكاء الاصطناعي في تعطيل الاتصالات والرادارات المعادية، مما يجعل القوات المعادية أكثر عرضة للهجوم، فضلاً عن أنظمة الروبوتات القادرة على القيام بمهام خطرة مثل إزالة الألغام أو تنفيذ عمليات استطلاع.

وأكد أن هناك تحديات ومخاطر كبيرة ترتبط باستخدام الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، منها سباق التسلح الذي قد يؤدي إلى تصاعد الصراعات بين الدول، بالإضافة إلى الأخطاء البشرية في تصميم أو برمجة أنظمة الذكاء الاصطناعي، والتي قد تسفر عن نتائج كارثية. كما يثير استخدامه في الحرب عديد من القضايا الأخلاقية، مثل مسؤولية الأنظمة الذكية عن الأضرار التي تتسبب فيها، وحق الإنسان في الحياة.

واختتم الدكتور بانافع حديثه بالتأكيد على أن الذكاء الاصطناعي يمثل قوة هائلة قادرة على تغيير شكل الحروب بشكل جذري، لكنه شدد على ضرورة استغلال هذه القوة بحكمة ووضع قواعد وضوابط صارمة لضمان استخدامها بشكل مسؤول وأخلاقي.

أمن قومي

إلى ذلك، أكد استشاري العلوم الإدارية وتكنولوجيا المعلومات في G&K، عاصم جلال، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن الذكاء الاصطناعي يمثل بحد ذاته قضية أمن قومي حيوية، موضحاً أن الـ AI يسهم بشكل كبير في توفير وتحليل المعلومات بسرعة، بالإضافة إلى قدرته على إنتاج نصوص ومواد ومستندات وخطط بشكل يتناسب مع متغيرات الأوضاع المختلفة.

وأضاف: تطور الذكاء الاصطناعي في الدول ليس مرتبطاً فقط بالحالة الحربية، بل يتجاوز ذلك إلى كونه عاملاً حاسماً في الأمن القومي، لما له من دور في تطوير الأسلحة وتحليل البيانات لأغراض استخبارية. كما يمكن للذكاء الاصطناعي تحديد أهداف ووضع خطط بناءً على بيانات مستمدة من الأقمار الصناعية، والتكيف مع المتغيرات الميدانية بسرعة فائقة.

وأشار إلى أن أحد أبرز أدوار الذكاء الاصطناعي يتمثل في مراقبة العدو وتحليل بياناته بدقة متناهية، مما يتيح استنتاج معلومات حساسة تتعلق بوجود أسلحة أو مواقع استراتيجية مهمة. كما أكد أن قدرة الذكاء الاصطناعي على التعامل مع كميات هائلة من البيانات في وقت قصير يعكس أهميته المتزايدة في الأمن القومي للدول.

واستدل جلال بالصراع القائم بين الولايات المتحدة والصين في مجال إنتاج الرقائق الدقيقة، والتي تعد من المكونات الأساسية لتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي. وذكر أن الولايات المتحدة تسعى للحد من قدرة الصين على تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي، إلا أن الصين قد أحرزت تقدمًا ملحوظًا في هذا المجال، حيث طورت العديد من أنظمة الذكاء الاصطناعي سواء التي تعتمد على النصوص أو الصور أو الفيديوهات.

تغيير شامل

وفي السياق، شدد العضو المنتدب لشركة “آي دي تي للاستشارات والنظم”، محمد سعيد، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، على الأهمية المتزايدة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في القطاع العسكري وإدارة الحرب الإلكترونية، خاصة مع التوسع الكبير في تطبيقات التكنولوجيا داخل هذا القطاع خلال الفترة الأخيرة، والتطور الهائل الذي يشهده مجال الذكاء الاصطناعي.

وأشار سعيد إلى أن مفاهيم الحرب الحديثة قد تغيرت بشكل جذري، حيث أصبحت الدول تعتمد بشكل متزايد على الطائرات المسيرة، مما أدى إلى استخدام التكنولوجيا بشكل كبير والاعتماد على الآليات غير المأهولة في الهجمات، إلى جانب القذائف والصواريخ الموجهة عن بُعد التي توفر بثًا مباشرًا للمعلومات.

وأضاف أن الذكاء الاصطناعي يلعب دوراً حيوياً في مجال التدريب العسكري، حيث تعتمد الدول الآن على تقنيات حديثة لخوض ما يسمى بـ”المباريات الحربية”، وهي محاكاة تكنولوجية تمكن القوات من خوض تجارب حربية افتراضية تماثل الواقع، مما يسهم في رفع كفاءة القوات العسكرية على كافة المستويات، من الأفراد إلى القادة التكتيكيين والاستراتيجيين. كما يساهم الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الناتجة عن هذه المباريات الحربية لتعزيز مستوى الاستعداد العسكري.

وتحدث أيضًا عن قدرة الذكاء الاصطناعي على تحليل البيانات المستمدة من منصات التواصل الاجتماعي والنشاط الإلكتروني للأهداف المستهدفة، مما يعزز القدرات العسكرية للدول من خلال الوصول إلى معلومات استخباراتية حيوية.

وفيما يخص الأدوات التي طورها الذكاء الاصطناعي، أوضح سعيد أنه ساهم في تطوير مجموعة متنوعة من الأدوات مثل استخدام الروبوتات بدلاً من المقاتلين البشريين في مهام مختلفة، وتطبيقات ذكية للمراقبة، إلى جانب تطبيقات المباريات الحربية، والأسلحة الذكية، وأدوات الاختراق، وبرمجيات متطورة تُستخدم في المجال العسكري.

ثلاثة دروس

وفي سياق متصل، وبالعودة لمقال اريك شميت في فاينانشال تايمز، فإنه يقول  رغم وجود اختلافات جوهرية بين الجيش الأميركي والجيش الأوكراني، فإن ثمة عدداً من الدروس المهمة التي ينبغي لواشنطن تعلمها من الصراع بين أوكرانيا وروسيا، مركزاً على ثلاثة دروس ينبغي أن تساعد في توجيه الجيش، ومسؤولي الدفاع ومتخصصي المشتريات لفي التعامل مع المستقبل.

  • الدرس الأول: تخوض الحرب بالجيش الذي لديك وليس الذي تريده”. لذلك، من المهم أن يتم توجيه زيادة الإنفاق الدفاعي واستبدال الأسلحة المرسلة إلى أوكرانيا نحو تطوير الصناعة الدفاعية والابتكار، وليس فقط إعادة تعبئة المخزون الأمريكي. يجب الاستثمار في البحث والتطوير لتعزيز قدرات الأسلحة المستقبلية مثل الطائرات بدون طيار طويلة المدى.
  • الدرس الثاني: أهمية أنظمة الاتصال الفعالة حتى في البيئات المليئة بالحرب الإلكترونية. في أوكرانيا، كانت هناك صعوبة في العمل وسط تداخلات على أنظمة لهذا، يجب تطوير تقنيات مثل الملاحة الكمومية والبصرية لضمان القدرة على تنفيذ المهام في ظروف معقدة، مما يعطينا تفوقًا معلوماتيًا.
  • الدرس الثالث: تأثير الحروب غير المتكافئة على نسبة التكلفة-القدرة، والتي تزداد حدة مع طول الصراع. أمثلة مثل اعتراض صواريخ باتريوت المكلفة لطائرات مسيرة رخيصة توضح أن الحاجة ملحة لتطوير حلول أرخص وأكثر كفاءة. هذا يتطلب إصلاح أنظمة المشتريات الدفاعية لتكون أكثر مرونة وقدرة على التكيف.

وفي سياق متصل، يقول كاتب المقال إن ميزانيات الدفاع تواجه تحديات قد تمنعها من الزيادة المستمرة. في الولايات المتحدة، تجاوزت تكاليف سداد الديون لأول مرة في 2024 حجم الإنفاق الدفاعي السنوي. كما ارتفعت تكاليف الأفراد بشكل كبير، مما يهدد بعرقلة تحديث الأسلحة وتطوير أنظمة جديدة.

ومع ذلك، من المتوقع أن يستمر الإنفاق الدفاعي الأميركي في النمو، حيث اقترح السيناتور روغر ويكر زيادة الإنفاق إلى 5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، مما قد يؤدي إلى ميزانية دفاع تصل إلى تريليون دولار.

في حين أن معظم هذه الأموال ستُخصص لبرامج الدعم الصحي والتقاعد للجنود، هناك بوادر على أن الولايات المتحدة تهتم بالابتكار، حيث زاد تمويل وحدة الابتكار الدفاعي خمسة أضعاف ليصل إلى مليار دولار.

هذا التوجه نحو الابتكار يتردد صداه عالميًا، حيث ارتفع عدد دول الناتو التي تفي بهدف إنفاق 2 بالمئة من ناتجها المحلي على الدفاع من 9 دول في 2020 إلى 23 دولة هذا العام. تُطلق أيضًا مبادرات متعددة الجنسيات لدعم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.


source

إرسال التعليق

قد يعجبك ايضا