كيف أثرت حقن الأوزمبيك على صناعة الأزياء في العالم؟

وبحسب تقرير أعدته “بلومبرغ” واطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، فإن ملامح التحول في صناعة الأزياء، بدأت تظهر في مجموعات الخريف والشتاء لهذا العام، مع ابتعاد مصممي الأزياء الراقية في جميع أنحاء العالم، عن التصاميم الضخمة التي كانت رائجة في الآونة الأخيرة والتحول نحو شيء أكثر نحافة ورشاقة، وذلك بدعم من هوس المستهلكين بأدوية إنقاص الوزن.

صيحة “معاطف الأوزمبيك”

ولعل التحوّل الأكثر وضوحاً الذي شهدته صناعة الموضة لعام 2024 يتجسد فيما بات يُعرف بصيحة “معاطف الأوزمبيك“، والتي انتقلت خلالها المعاطف من المرحلة التقليدية المتمثلة في المعاطف الطويلة والفضفاضة، إلى المرحلة الحديثة التي تتجسد في معاطف رفيعة ذات قصات أكثر رشاقة.

وتقول “بلومبرغ” إنه في وداع مبهج للمعاطف والفساتين الضخمة، يطرح مصممو الأزياء مثل يوهجي ياماموتو، بالإضافة إلى ماكسيميليان ديفيس، المدير الإبداعي وراء فيراغامو، وساباتو دي سارنو لغوتشي، ومصممي جيل ساندرز لوك ولوسي ماير أنماطاً نحيفة لمجموعات الخريف والشتاء لهذا العام، في محاولة من بيوت الأزياء الفاخرة، لإضفاء مظهر أكثر رشاقة على أزيائها، ما يلبي تطلعات عاشقات الموضة.

ووفقاً لموقع Lyst، وهو محرك بحث عالمي للأزياء، فقد زادت الاستفسارات عبر الإنترنت عن “المعاطف الطويلة النحيفة” بنسبة 16 في المئة في الأشهر الأخيرة، حيث تُظهر البيانات أيضاً أن فتيات الجيل Z انضممن بدورهن إلى هوس التخلص من الدهون، والاتجاه نحو الملابس التي تظهر رشاقتهن، وهو الأمر الذي شجع المصممين على تلبية التغييرات التي حصلت في الذوق العام.

ارتفاع الطلب على المقاسات الصغيرة

وقد لاحظت بعض ماركات الملابس، أن عملاءها باتوا يشترون قطع ملابس جديدة بمقاسات أصغر من السابق، لتتناسب مع أجسامهم الممشوقة، بعد فقدانهم للوزن إثر اللجوء إلى حقن أوزمبيك أو حقن إنقاص الوزن المماثلة، التي تساعد الأفراد على استهلاك سعرات حرارية أقل من السابق. وبحسب CBS News فقد كشف مؤسس شركة تيدي ستراتفورد، برايان ديفيس، وهي شركة مقرها مدينة نيويورك تصنع قمصاناً للرجال، أنه في الأشهر الأخيرة، بدأ عدد كبير من عملائه القدامى فجأة، بطلب قمصان أصغر بمقاسيْن مما كانوا يطلبونها في الماضي، ما دفعه إلى التفكير في السبب وراء هذا التغيير.

ولا يستطيع ديفيس التأكد من أن أدوية إنقاص الوزن هي التي تقود هذا التغيير في نمط السوق، فشركته لا تستطلع آراء العملاء حول استخدامهم للأدوية، ولكنه يشك في أن ارتفاع استخدام حقنات الـ Ozempic والأدوية المماثلة هي السبب وراء هذا الاتجاه.

من جهة أخرى تُظهر بيانات شركة Impact Analytics، التي توفر حلولاً متطورة مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتجارة التجزئة، وبعد دراسة أنماط المبيعات في بعض متاجر مانهاتن، أن مبيعات القمصان النسائية بمقاسات “صغير جداً جداً” و”صغير جداً” و”صغير” زادت بنسبة 12 في المئة في عام 2024، مقارنة بعام 2022، بينما انخفضت مبيعات القمصان بمقاسات “كبير جداً جداً” و”كبير جداً” و”كبير” بنسبة 11 في المئة.

الأميركيون يبتعدون عن الملابس الفضفاضة

وبحسب شركة كانتار لأبحاث السوق فإنه بينما انجذب الأميركيون أثناء جائحة كوفيد-19 نحو الملابس المريحة والفضفاضة والتي تخفي أحياناً شكل الجسم مثل السراويل الرياضية، حصل مؤخراً تغيير في هذا الاتجاه، مع ارتفاع عدد المستهلكين الذين ينجذبون نحو الأقمشة التي تعانق الجسم، وأنماط الفساتين الضيقة. وقد كشفت دراسة حديثة أن 15.5 مليون شخص أو ما يقرب من 6 في المئة من البالغين في الولايات المتحدة لجأوا إلى حقن مثل Ozempic وwegovy للتخلص من الوزن الزائد.

تحوّل في مشهد فقدان الوزن في العالم

وتقول الباحثة الكاتبة الدكتورة حسناء أبو حرفوش، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه لطالما كانت السمنة من بين أكثر الأمراض شيوعاً في العالم، ولسنوات عديدة لم يكن لدى الطب سوى القليل من الأساليب الفعّالة لعلاجها باستثناء الجراحة، ولكن في السنوات الأخيرة ظهرت أدوية جديدة غيّرت في مشهد فقدان الوزن في العالم، ومن بين هذه الأدوية، حقن الأوزمبيك التي تم تطويرها في الأساس لعلاج مرض السكري من النوع 2، مشيرة إلى أن نجاح هذه الأدوية في مساعدة الأفراد على التخلص من عشرات الكيلوغرامات بمدة قياسية وبشكل غير مسبوق، أثر بشكل غير متوقع على العديد من الصناعات، بما في ذلك صناعة الموضة التي أصبحت مطالبة بمواكبة التحولات في الطلب على الملابس.

تجديد محتوى خزانات الملابس

وبحسب حرفوش فإن آراء معظم الخبراء تجمع على أن صناعة الموضة ستشهد مكاسب غير متوقعة، فالتغييرات الكبيرة في أوزان المستهلكين، وخصوصاً في أميركا التي تعد من أكثر الدول معاناة من السمنة ستجبر المستهلكين أو “النحفاء الجدد” على تجديد محتويات خزانة ملابسهم، وهو بالفعل ما تظهره استطلاعات آراء مستخدمي حقن أوزمبيك والأدوية المماثلة، الذين يؤكدون أنهم يشترون ملابس جديدة بانتظام، لافتة إلى أن هذه الاتجاه أمر طبيعي فالأشخاص الذين يفقدون الوزن يحتاجون إلى ملابس أصغر حجماً، في حين أنه على صناع الموضة التأكد من أن منتجاتهم تلبي رغبات واحتياجات السوق.

وتؤكد حرفوش أنه لطالما كانت العلامات التجارية الفاخرة في صناعة الأزياء، غير راغبة بشدة في تلبية احتياجات المقاسات الكبيرة، ولكنها كانت مجبرة على ذلك، والآن مع تغير احتياجات المستهلكين سارعت هذه العلامات في التقدم نحو تبني الاتجاه الجديد، إدراكاً منها أنه عندما يفقد الإنسان الكثير من وزنه تتغير ثقته بنفسه، وينجذب نحو أنماط مختلفة من الملابس، معتبرة أن صناعة الملابس تواجه “رياحاً تغيرية” قوية، فموجة عقاقير تخفيض الأوزان لا تزال في بدايتها، ولذلك فإنه من المهم للعلامات التجارية وتجار التجزئة الاستعداد للثقافة الشعبية الجديدة المتمثلة في التركيز على المقاسات المستقيمة.

مبيعات قياسية لأدوية السمنة

وتكشف حرفوش أن مبيعات الأدوية المرتبطة بمرض السكري والسمنة على الرغم من معرفة الناس بأعراضها الجانبية الخطيرة أحياناً وإقبالهم عليها، بلغت 19 مليار دولار في عام 2023، حيث تتوقع مجموعة غولدمان ساكس أن تتجاوز مبيعات هذه الأدوية حاجز الـ 100 مليار دولار على صعيد العالم بحلول عام 2030، في وقت تستعد السوق لدخول عشرات العقاقير الجديدة المضادة للسمنة، إذ يوجد الآن أكثر من 50 دواءً مضاداً للسمنة في مرحلة التطوير السريري من حوالي 40 شركة، وفقاً لـ Bloomberg Intelligence وهو ما سيؤثر بالفعل على الطلب على الملابس الأصغر حجماً.

من جهته يقول المحلل الاقتصادي طارق أبو شقرا في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن هوس المستهلكين بالعقاقير التي تستهدف إنقاص الوزن يثير ردود أفعال متنوعة في صناعة الملابس، وهذا الأمر صحي تماماً، فمصممو الأزياء وتجار التجزئة، مهمتهم الأولى هي المحافظة على إيراداتهم التي تبلغ مليارات الدولارات سنوياً، وذلك من خلال اكتشاف أنماط المستهلكين، وأذواقهم وأولوياتهم الجديدة، وبالتالي نرى أن هؤلاء باتوا يقدمون عدداً أقل من المنتجات ذات المقاسات الكبيرة، في وقت يرتفع الطلب على المقاسات الصغيرة.

لماذا التركيز على السوق الأميركي؟

ووفقاً لـ أبوشقرا فإن التوقعات تشير إلى أن ما يصل إلى 70 مليون مستهلك في جميع أنحاء العالم سيستخدمون عقاقير أوزمبيك والعقاقير المماثلة بحلول عام 2028، منهم نحو 48 مليون أميركي، وهذه الأرقام تظهر سبب تركيز صناع الموضة على السوق الأميركية، حيث يتجه العملاء إلى تقليص مقاسات الألبسة التي يرتدونها، وتبني عادات صحية جديدة مثل ممارسة الرياضة بشكل متكرر، وتناول الطعام الذي تم إعداده في المنزل، مشيراً إلى أن توسع هذا النهج في المستقبل، يعتبر نعمة لصناعة الموضة مع اضطرار المستهلكين لشراء ملابس جديدة بانتظام.

شركات الأزياء تعيد تقييم تشكيلاتها

ويرى أبوشقرا أن الأوزمبيك والعقاقير المماثلة، أصبحت عنصراً مؤثراً في أنماط الحياة اليومية، بما في ذلك اختيارات الموضة، مما دفع العديد من شركات الأزياء إلى إعادة تقييم تشكيلاتها، لتلبية الطلب الجديد، وما صيحة “معاطف الأوزمبيك” سوى جزء بسيط مما سيحدث في السنوات اللاحقة.

 


source

إرسال التعليق

قد يعجبك ايضا