عشرة قرون من الفنون الإسلامية تحت سقف واحد
بعد عام من هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول أُعلِن عن مشروع لتأسيس متحف شامل للفنون الإسلامية. وبعد يوم من الذكرى الثالثة عشرة لتلك الهجمات سيُدَشن المتحف في مدينة تورونتو الكندية ليكون البناء والموقع والتاريخ محمَّلا بالرسائل.
أصبح لألف قطعة أثرية أنتجها العالم المسلم خلال الألف سنة الماضية عنوان دائم. هذه القطع أتت من جميع أنحاء العالم القديم، من أقصى شرق آسيا إلى أقصى غرب أوروبا، وعنوان مقرها – اعتباراً من الثاني عشر من أيلول/سبتمبر 2014، سيكون متحف الآغا خان للفنون الإسلامية في مدينة تورونتو الكندية.
لم يكن إنشاء هذا المتحف سهلاً. فقد كان الإعلان عن المشروع في شتاء عام 2002، لكن حجر الأساس لم يوضع إلا بعد ثماني سنوات.
وقال الآغا خان – الزعيم الروحي للمسلمين الإسماعيليين – خلال مراسم وضع حجر الأساس ربيعَ عام 2010: “نريد من خلال إنشاء هذا المتحف في تورونتو أن يتعرف المشهَدُ الثقافي في أميركا الشمالية على عنصر جديد عليه”.
وأضاف أن “هدفه الأساسي تعليمي، يسعى بنشاط لنشر المعرفة بالفن والثقافة الإسلاميين”.
هذا المتحف هو الوحيد المخصص للفنون الإسلامية في الأمريكيتين، وبين معروضاته قطع نادرة تشير إلى عمق الإنتاج الثقافي والإبداع الفني الذي قدمته الحضارة الإسلامية عبر التاريخ. ومن بينها مخطوطات شديدة الندرة، وأوان فخارية ونحاسيات، وقطع للزينة، ولوحات وزخارف.
وفي لقاء مع بي بي سي قالت الدكتورة ربا كنعان، مسؤولة قسم التعليم والبرامج البحثية في متحف الآغا خان، إن مقتنيات المتحف تعد مجتمعة دليلاً على المساهمات الجمالية والعلمية والتعليمية التي قدمتها الحضارة الإسلامية للعالم خلال أكثر من ألف سنة.
دور تعليمي
ومن أهم مقتنيات المتحف نسخة نادرة جدا من كتاب القانون في الطب لابن سينا، تعود للقرن الحادي عشر الميلادي. وهو كتاب كان يعتبر مرجعاً في مجال الطب، وظل يُدرّس في جامعات أوروبية حتى نهاية القرن الثامن عشر.
كما يحتوي المتحف على نافورة، وبركة مياه أُبدِعت في القاهرة في القرن الخامس عشر الميلادي، مصنعة من المرمر المحروق والحجر الرملي المقطع إلى قطع هندسية دقيقة تشكل إلى جانب بعضها البعض أشكالاً هندسية زخرفية تعتبر نموذجاً لدور الهندسة في الفن البصري الإسلامي.
ويضم المتحف أكثر من ألف قطعة أقدمها يعود إلى القرن الثامن الميلادي، وأحدثها إلى أواخر القرن التاسع عشر.
ولكل قطعة قصة ورسالة، كما قالت ربا كنعان لبي بي سي، وكلها متاحة لمن يرغب في دراستها والتعلم منها. إذ إن الدور التعليمي للمتحف، وسعيه لتوفير فرص للمؤسسات التعليمية والأكاديمية، أمور أساسية لوجوده، كما توضح الدكتورة ربى.
وتضيف أن المتحف سيبدأ قريباً تنظيم زيارات لتلاميذ المدارس وطلاب الجامعات، كما أنه سيطلق برنامجاً يقدم الدعم المباشر للباحثين المتخصصين في الفن الإسلامي.
وفي المتحف مكتبة متخصصة في الكتب والمراجع المتعلقة بالفن والتاريخ الإسلاميين، إلى جانب برنامج دائم من المحاضرات والمؤتمرات التي سيكون أولها مؤتمر يستمر ثلاثة أيام أواسط الشهر المقبل بحضور 200 باحث ومتخصص من العالم.
“التنوع الثقافي”
هذه المهمة التعليمية للمتحف هي السبب الذي يقدمه المشرفون عليه على سؤالهم عن البقعة الجغرافية التي اختيرت مكاناً لمتحف ومؤسسة تعليمية خاصة بالفنون والثقافة الإسلاميين.
فعندما طرحت السؤال على الدكتور هنري كِم، مدير المتحف، قال: “المهمة الرئيسية للمتحف كانت وستظل تعليمية. بحثنا عن أفضل مكان في العالم. معظم سكان أمريكا الشمالية يعرفون القليل جداً عن العالم المسلم غير ما يشاهدون على شاشات التلفزيون، والذي تغلب عليه السلبية معظم الوقت. نتمنى أن ينجح المتحف في رعاية فهم أوسع للعالم المسلم بكل تنوعه الجغرافي والثقافي والعرقي”.
وهذا التنوع الثقافي هو ما يمكن للمرء أن يراه في تصميم المتحف ذاته، فهو ليس إسلامي المعمار على الإطلاق، لكنه ليس غربياً أيضاً.
صَمم متحفَ الآغا خان المهندس الياباني المخضرم فوميهيكو ماكي، المعروف بهوسه بدمج أنماط معمارية مختلفة في نمط واحد، والذي يُقصد عادة لتصميم مراكز ثقافية ومتاحف ومؤسسات دولية، فهو من أبرز المعماريين في قدرته على إعطاء الأبنية عدة هويات.
وفي تصميم هذا المتحف استخدم الضوء الطبيعي بطريقة ملفتة واستخدمت مواد بناء طبيعية مختلفة، كل منها تقدم انعكاساً مميزاً للضوء بلون مختلف.
وكأن ماكي يقول عبر هذا البناء إن الثقافة والفن الإسلاميين كانا دائماً مكاناً ملوناً ومنوعاً، بفضل احتضانهما لكل إبداع في العالم الإسلامي عبر التاريخ.
ويأتي افتتاح المتحف في وقت يتحدث فيه كثير من المهتمين بالتاريخ والحضارة، خصوصاً في البقاع التي كانت جزءاً من الامبراطوريات الإسلامية، عن قلقهم على ضياع النتاج الفكري والفني الملموس لتلك الحضارات.
إذ تشهد هذه البقاع اضطرابات سياسية سببت أضراراً مدمرة للكثير من الآثار فيها، لعل أبرز هذه الآثار ما أصاب مدينة تمبكتو شمالي مالي عام 2012، وما أصاب ويصيب الآثار في سوريا والعراق، وكذلك الدمار الذي أصاب متحف الفن الإسلامي في القاهرة، نتيجة تفجير مطلع العام الجاري.
فقد أحرق الكثير من المخطوطات وأتلفت، والكثير من الآثار دمرت وحطمت وسرقت. وارتفعت أصوات المطالبين بنقل تلك الآثار، ولو مؤقتاً، إلى مكان آمن يحميها.
وعندما سألت ربى كنعان عن رأيها في الأمر قالت إن الأمر معقد والسؤال صعب، لا أحد يعرف الإجابة عليه، وأشارت إلى أن الاتفاقات الدولية تدعو إلى حماية الآثار، وإلى تركها في أماكنها وعدم نقلها منها. وأي بيع أو شراء لأي قطع أثرية يجب أن يتم بموجب القوانين الدولية وضمن شروط محددة.
ومهمة الدول الغربية أن تقدم المساعدة في مجالات الترميم والصيانة. ثم أضافت: “من وجهة نظري ، التاريخ كفيل بحماية ما يكفي من آثار لينقل قصص الحضارات ويحفظ أهمية المكان. فبغداد دمرت عدة مرات لكن بقي منها ما يكفي لينقل لنا عظمة المدينة”.
ومقتنيات المتحف كلها ملك لعائلة الآغا خان، جمعتها منذ القرن التاسع عشر، وتنقلت كثيراً بين متاحف العالم المختلفة.
وهذه هي المرة الأولى التي تسكن فيها هذه الآثار الإسلامية معا في مكان واحد، ضمن مدينة وقارة لا علاقة لهما أبداً بأي منها ولا بأي من مبدعيها عبر التاريخ.
لكنها قارة بنيت حضارتها التي نعرفها بفضل مزيج غير مسبوق من كل ما أنتجته البشرية في التاريخ، والمهم أن يتمكن الجميع من الاستفادة مما في المتحف كي لا تشعر مقتنياته بالغربة في وطنها الجديد.
إرسال التعليق