وقفات على أبيات أبي ذؤيب الهذلي

محمد فهمي

نستأنف سلسلتنا النقدية الأدبية والتي تناقش أبياتاً قد أتحفنا بها الشاعر المحضرم ( أبي ذؤيب الهذلي),وقد أشرنا في السابق الهدف من اختياري مثل هذا النوع من المقالات,وما الفكرة وراء اختيار قصيدة ما ومناقشتها مناقشة نقدية أدبية وربطها بالواقع وأخذ العِبَرِ منه,والآن نتوقف إزاء ثوران نفسي يضج بالحسرة والحزن والأسى على الأبناء الموتى ,ونستشف ذلك في قول الشاعر في الشطر الثاني يقول :

(أودَى بني من البلاد فودعوا…) ثم نراه يقول في الشطر الأول من بيت آخر (أودى بني وأعقبوني غصة …) لو تأملنا لفظة (أودى) وقسمناها قسمين (أو) (دى) وقمنا بنطقها بصوت يغمره الحزن وبه قهرة وتوجع كحال الشاعر, سنجد أن الشاعر أوفق في استخدامها لتصور مدى حزنه وأن تلك الأصوات (الحروف) تخرج حاملة لذلك الحزن والآهات فنجدها كأن شيئاً يقع من أعلى ثم يصطدم بالأرض بقوة عندما نقسمها إلى قسمين كما سبق القول فنرى (أو) كأنه يقع من شيئ مرتفع ثم ينتهي به إلى الأرض بــ (دى),وتكرار (أودى ) مرتين كأنه طفلاً يبكي فراق شيئ غالياً عليه ويظن أنه بذلك سيستعيد فقيده!

كما نرى أنه يصور أثر ما حدث له بسبب موت أولاده من تصوير مشهد كنائي وآخر حسي،أما الأول ففي قول الشاعر

 

(أودى بني وأعقبوني غصة ..) والغصة هو ما يعترض الحلق, فيشعر المرء حينها بأنه مختنقاً لا يستطيع التنفس ولا الطعام ولا الشراب وأن به أذى لا يمكنه من العيش سليماً,كما نتأمل الشطر المقابل له فيقول..

(بعد الرقاد وعبرة لا تقلع),والرقاد هنا هو موت أبنائه والعبرة هي الدمعة,(لا تقلع) لا تخرج,فيصور الشاعر شدة حزنه بأن أبنائه قد تركوه فرداً لا يذق للحياة طعماً,ولا حتى يقوى على التنفيث عن حزنه وبأسه بالبكاء,وهذا أصعب شعور قد تواجهه لأنك بذلك لا تطيب أبداً.

 

كما أن الشاعر في البيت التالي وكأنه يعطينا حكمة في وسط ملحمة أوجاعه قائلاً:

سبقوا هويَّ وأعنقوا لهواهم فتخرموا ولكل جنب مصرع

هنا يمكننا الاستشعار بحالة الاضطراب النفسي لدى الشاعر,إذ كيف يلوم نفسه ويلوم الزمان ويلوم الأبناء لرحيلهم فجأة دون سابق إنذار له ,والزمان الذي يعتقد أنه انتشلهم من بين أضلعه فجأة لنراه بعدها يُقر بأن الإنسان مهما عاش وأينما كان سيأتيه يوم وفاته وذلك في قوله (ولكل جنب مصرع),وأيضاً لا يمكننا أن نغفل عن فضل صوت “العين” في توفيق الشاعر لتعبيره عن حزنه ومأساته وتنفيث حزنه من خلال تنهيدات وزفير يخرج من أعماقه حاملاً أوجاعه ليلفظه للعابرين كي يشعر بتحسنه الذي يتمنى حصوله ولكن ما من فائدة!

إرسال التعليق

قد يعجبك ايضا