تأملات نقدية في قضايا البيوت المصريه
نستأنف سلسلة مقالاتنا بمحور تحول في غاية الأهمية بالنسبة للآباء على وجه الخصوص، والأبناء على وجه العموم،فعندما يصل الابن إلي مرحلة عدم شعوره بالاحتواء والأمن والخصوصية في بيته مع والديه يبدأ تلقائياً بصرف كل طاقته ونفسه تجاه أناساً آخرين يلبي معهم احتاجاته التي تناسب الفترة الزمنية التي يواكبها والتي هو بالأساس عليه من مرحلة المراهقة ،والتي كما قلنا تتطلب بعض التفاصيل الدقيقة التي أسلفنا ذكرها سابقآ،ومنذ تلك اللحظة تبدأ تدريجياً صراعات أسميها صراعات الأجيال!
الأباء يرون أبنائهم حينها على حال غير الحال الذي اعتادوا عليه من قبل،تغير يوماً بعد يوم في ازدياد،وبكل بساطة وتلقائية غريزية وفطرية يبدأ الآباء بإبداء آرائهم وإعراضهم عن ذلك التغيير،فيصمت طرفاً “الأبناء”ليتيح مساحة كافية واجبة للطرف الأعلى للحديث”الآباء” دون إبداء أي اعراضات أو الخوض في مناقشات ومن هنا يظن الآباء أن النيران قد خمدت وقضي الأمر،ولا يعلمون أنهم قد وضعوا المزيد من المواد البترولية بجانب تلك النار لتزيدها ظهورا وقوة لتصبح أشد احتراقاً.
الأبناء وبعد أن تلقوا تلك الإعراضات من الآباء،تبدأ أخطر مرحلة وهي مرحلة أسميها”مرحلةتكوين الرأي المصيري” فحينها يبدأ الأبناء بالخلوة مع أنفسهم ولا يشغل ذهنهم سوى (هل أنا على صوابٍ ام خطأ)؟!،وبحكم عمره وبحكم ما يتطلع إليه من أمور قد لا تواكب أعمار وأفكار وطموحات والديه يجد أبويه مصدراً لزعزعته وأنهم لا يبالون لأمره،فقط هم من يعرفون ويدركون وهو مازال لا يدرك،فتأتي خطوة أخرى وهي أن يخرج الأبناء عن صمتهم لإبداء رغباتهم وميولهم ومشاركة أفكارهم مع الغير من المجتمع، ولا يشاركونها آبائهم نظراً لأنهم عنصراً لا يسمع إلا صوت نفسه غير مبالٍ بالغير.
يعكس ذلك بدوره صورة غامضة عن الأبناء فيما بعد،حيث أن الابن قد اعتاد على العزلة ولا يشارك أفراد أسرته آرائه،فنجد كل من الأبناء والآباء في عالمه القنوع به الموائم لظروف نشأته وعصره،فيأتي الآباء بأخذ خطوة أشد خطورة وهي (نزعة اللامبالاة بالغير) كيف ذلك ؟أقول..
الأب بعدما يرى ابنه قد اقتنع بما يريد وقد كون لنفسه رأياً وعالماً وذلك في مراحل العشرينيات مراحل الجامعة وما بعدها،فيظن بعدها أن دوره قد انتهى لهذا الحد وأن ابنه لم يعد بحاجة إليه في بعض المشاورات أو الآراء،وشعوره بأن الابن قد اكتفى بأصدقائه ولم يعد بحاجة إلي بيته فيبدأ ينظر إلي نفسه بعدما كان مشكوراً يحمل أعباء بيتاً كاملاً دون إبداء جزع أو تعب، ويشعر أنه قد حان الوقت لينظر لنفسه قليلاً،وتأتي الزوجة بأخذ قسطاً من تلك المسألة وتتفكك الأسرة حينها ولا يعلم أحد عن أحد شيئاً فتبدأ الفجوات بين أفراد الأسرة في ازدياد! وتأتي المشكلات تباعاً لذلك كالعقوق مثلاً أو الهجران وفي كلا الحالتين شيئاً مؤسفاً.
لا اقول كل الأسر كذلك ،ولا كل الآباء والأمهات والأبناء على هذا النحو،بل الأغلب على هذا النحو،وما يجعلنا نشعر أن الجميع على هذا النحو لأن هؤلاء الأغلبية ونظراً لقلة الأسر المستقرة نسبياً تكاد تشعر بانعدام وجودهم،لذلك كان لزاماً علينا تسليط الضوء على تلك الثغرات المسببة لهذا التفكك والتوقف إزاءها مليا وأن نتحدث باستفاضة كي نتخطى تلك المشكلات لتحقيق أسرة بمعنى كلمة قولاً وفعلاً.
إرسال التعليق