تأملات نقدية في قضايا البيوت المصرية

محمد فهمي

نستأنف حديثنا في سلسلتنا عن قضايا البيوت المصرية في مقالتنا الثانية من السلسة والتي نتوقف فيها إزاء أهمية مسألة النقاش السليم مع الآباء وأبنائهم،فكما أن العقل البشري دائماً ما يطرح الأسئلة العطشة دائماً للأجوبة،يطمح أيضاً بقول “ها أنا ذا” أفكر وأدبر ولي رأياً يفيدني ويفيد مجتمع.
“أنت لازلت صغيراً لا تفقه شيئاً” “نحن أكثر منك خبرة ودراية فاصمت ولا تجادل وتناقش”!،تلك الجُمل التي ألقبها بالخناجر التي تخترق أجسادنا ممزقة إيها بكل قسوة لتقتل بداخلنا شعور الثقة بالنفس وحب الإبداع،وتحي مشاعر الخوف والهزيمة وعدم الثقة بالنفس والتطلع للمستقبل.
لكل قاعدة أو مثل شواز،ومن منطلق هذا المبدأ أقول أن المثل الضعيف الذي يعتد به دائماً في مجتمعنا وهو( أكبر منك بيوم يعرف أكتر منك بسنة) يجب أن يهدئ من غروره قليلاً لنقول له أنه بالمصادفة يصدق المثل وليس بالضرورة اللازمة،فكثير ما يخفق الكبار في قراراتهم أو توجيهاتهم ونجد الأصغر قراراته انضج بل وأكثر منطقية ومواكبة للعصر!
الآباء لهم ثلاث وجهات لا رابع لهم في قضية الاستقلال بالرأي الشخصي لهم دون أولادهم وهم كالآتي:
١-إما أنه يريد أن يكون المتصرف الأساسي والوحيد والملم بكل أمور الأبن حتى في قراراته واخياراته فيلبي هذا نشوة الأبوة المسيطرة المطئنة.
٢-أو خوفه من عدم اللجوء إليه فيصيبه شعور عدم الحاجة إليه وشعوره باللاقيمة من قِبل الابن فيبدأ بحصره في كبوة لا يجد منها الابن مخرجاً،فنخلق بهذا شاباً لا يمكنه اتخاذ قرار في وجبة غداء يريد أن يتناولها فيسأل هذا وذاك بكل ارتباك.
٣-خوفه أيضاً أن يتأثر الابن بأسلوب فكري معين واتجاه ما غير اتجاهه الذي تربى عليه،فيبدأ بتكريس حياته في معالجة الابن وعقله ونفسه في تطبيعه على طباعه نفس الطباع وبالطبع نفس الزمن الذي عاشه والده عندما كان في عمره، الدليل على ذلك نجد كثيراً من الآباء يقارنون أنفسهم بأولادهم حينئذ كانوا في عمرهم فيقولون (عندما كنت في عمره كنت أفعل كذا اصنع كذا اقول كذا اشرب كذا) غير مبالٍ باختلاف المقام بالنسبة للابن واختلاف الزمن والشخصية نفسها والتي لها ميولها وانفعالاتها وتطلعاتها المختلفة تماماً عن الأب.
أيها الآباء لديكم كل الحق في الخوف على الأبناء هذه فطرة ولكن الفطرة كأي شيئ ستضيع وتتدهور ما لم نحسن استخدامها كأي شيئ في الحياة،كذلك الأبناء والنقاش معهم، احذروا أن تبنوا بينكم وبينهم سوراً حاجزا كبيراً ستدركونه عندما يكبرون، عندما تجدونهم يقضون أكثر أوقاتهم في معزل عنكم،لا يثيرهم النقاش والحديث معكم لأنهم يعلمون نهاية النقاش على أي جهة سيحل،والنقاش سيدي يمنحك فرص اكتشاف الابن وتفكيره،يجعل الابن يشعر وكأنك بئر يريد أن يلقي بكل أسراره فيه،فتعلم حينها من يصاحب ومن يحادث ومع من يتعامل وماذا يصنع وأي شيئ يحب ويكره،بالمناسبة الأبناء ما أن يريدوا صنع شيئ سيصنعوه بدون علمكم،فليس من الذكاء أبدا أن أشق على الابن فاجعله يلجأ للكذب واستخدام الدهاء والحيل لتلبية رغباته.

إرسال التعليق

قد يعجبك ايضا