مجدي درويش يكتب عن نبى الله داود ” الجزء السابع “
ونكمل الجزء السابع مع نبى الله داود عليه السلام، وكان لنبى الله داود عليه السلام حكم ومواعظ درر، وقيل أنه جهر بالحق، وقد أبلغ جهرا، فجهر بظلم الخصم جهرا لا محاباة فيه، وأنه عرف الباغي ظلمه، وحيفه، وأن سيف العدل فوقه، ثم نفس عن المظلوم البائس بذكر ما عليه الأكثر ويقول لهم مواسيا “وإن كثيرا من الخلطاء ليبغى بعضهم على بعض ” ليتأسى، ويتسلى لأن الذي أصيب بمصيبة وعلم أن غيره قد أصيب بنفس المصيبة تهون عليه مصيبته، وينتهي نسب نسب نبى الله داود عليه السلام للنبي الخليل إبراهيم عليه السلام، وقد جمع داود عليه السلام في نسله الملك والنبوة ولم تجتمع لغيره، لقد ذكر في الكتب أن داود هو أصغر إخوته ويملك اثنا عشر أخا، وكان بارعا جدا بالقذف بالمقلاع، وسمع مرة نداء طالوت أن من يقتل جالوت سيزوجه ابنته وينصبه ملكا، وإذ بحصيات تتحدث للنبي داود بأن يقتنيها ففيها قتل جالوت، فالتقطها وأدارها بمقلاعه وقتل جالوت بها وتزوج ابنة طالوت وتنصب ملكا على بني اسرائيل اللذين أحبوه لعدله وحكمته، فقد أوتي بالإضافة للنبوة والملك الحكمةَ في فصل الخصام بين المدعين، وقد آتاه الله سلسة معلقة من السماء لتساعده في القضاء بين الناس، وما كان يميزه هو جمال صوته وترنمه أثناء القراءة، حتى قيل أن من يسمع صوته لا يستطيع الابتعاد عنه، وقد اتسم بالقراءة السريعة لكتابه مع التأمل والترنم.
فقد كان يقرأ الزبور بينما يسرج له خيله، والزبور هو كتاب داود عليه السلام، وقيل أن عمره كان ستين سنة ولكن أبو البشر آدم عليه السلام طلب من الله تعالى أن يزيد في عمره أربعين سنة ويأخذها من عمره، وبهذا عاش النبي داود مائة سنة، ومما ورد عن مدة ملكه أنها أربعين سنة ولم يرد في نصوص الأحاديث ما يكذب هذا أو يصدقه، وتوفي يوم السبت وأظلته الطيور بأمر من نبي الله سليمان بن داود عليه السلام، وقال البيهقي عن ابن شهاب قال، قال نبى الله داود عليه السلام الحمد لله كما ينبغي لكرم وجهه، وعز جلاله، فأوحى الله إليه إنك أتعبت الحفظة يا داود، وعن عمر مولى عفرة قال، قالت يهود لما رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوج النساء، انظروا إلى هذا الذي لا يشبع من الطعام، ولا والله ما له همة إلا إلى النساء، حسدوه لكثرة نسائه وعابوه بذلك، فقالوا لو كان نبيا ما رغب في النساء، وكان أشدهم في ذلك حيي بن أخطب، فأكذبهم الله وأخبرهم بفضل الله تعالى وسعته على نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال ” أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ” يعني بالناس هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل أنه أتى الله تعالى سليمان بن داود فكانت له ألف امرأة، وسبعمائة مهرية، وثلاثمائة سرية، وكانت لداود مائة امرأة منهن، امرأة أوريا أم سليمان بن داود، التي تزوجها بعد الفتنة، وهذا أكثر مما لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر الكلبي نحو هذا، وإنه كان لداود مائة امرأة، ولسليمان ألف امرأة منهن ثلاثمائة سرية،ثم مكث حتى قبضت روحه فلما غسل وكفن وفرغ من شأنه طلعت عليه الشمس، فقال نبى الله سليمان عليه السلام للطير أظلي على داود فأظلته الطير حتى أظلمت عليه الأرض، فقال نبى الله سليمان عليه السلام للطير أقبضي جناحا، وقال أبو هريرة رضى الله عنه فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم، يرينا كيف فعلت الطير، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، بيده وغلبت عليه يومئذ المضرحية، ومعنى قوله “وغلبت عليه يومئذ المضرحية” أي وغلبت على التظليل عليه المضرحية وهي الصقور الطوال الأجنحة واحدها مضرحي، وقال الجوهري وهو الصقر الطويل الجناح، وقال السدي عن أبي مالك، عن ابن مالك، عن ابن عباس قال مات نبى الله داود عليه السلام فجأة وكان بسبت، وكانت الطير تظله، وقال السدي أيضا، عن مالك وعن سعيد بن جبير قال مات داود يوم السبت فجأة، وعن قتادة، عن الحسن، قال مات نبى الله داود عليه السلام وهو ابن مائة سنة ومات يوم الأربعاء فجأة وقال أبو السكن الهجري مات إبراهيم الخليل فجأة وداود فجأة وابنه سليمان فجأة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين” رواه ابن عساكر، وروي عن بعضهم أن ملك الموت جاءه وهو نازل من محرابه، فقال له دعني أنزل أو أصعد، فقال ملك الموت يا نبي الله قد نفدت السنون والشهور والآثار والأرزاق.
قال فخر ساجدا على مرقاة من تلك المراقي فقبضه وهو ساجد، وعن وهب بن منبه قال إن الناس حضروا جنازة نبى الله داود عليه السلام فجلسوا في الشمس في يوم صائف، وكان قد شيع جنازته يومئذ أربعون ألف راهب عليهم البرانس سوى غيرهم من الناس، ولم يمت في بني إسرائيل بعد نبى الله موسى وهارون أحد، وكانت بنو إسرائيل أشد جزعا عليه منهم على داود، فآذاهم الحر فنادوا على نبى الله سليمان أن يعمل لهم وقاية لما أصابهم من الحر، فخرج نبى الله سليمان فنادى الطير فأجابت فأمرها أن تظل الناس، فتراص بعضها إلى بعض من كل وجه، حتى استمسكت الريح فكاد الناس أن يهلكوا غما فصاحوا إلى نبى الله سليمان من الغم، فخرج نبى الله سليمان فنادى الطير أن أظلي الناس من ناحية الشمس وتنحي عن ناحية الريح، ففعلت فكان الناس في ظل تهب عليهم الريح، فكان ذلك أول ما رأوه من ملك سليمان عليه السلام، فكان هو النبي، الملك، العابد، القانت، الأواب، المجاهد، داوود بن أبشا بن عوير بن سلمون بن نحشون بن عوينا دب بن أرم بن حصرون بن فرص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام، وفي حياة نبي الله داود عليه السلام دروس وعبر منيرة، في جوانب كثيرة من الحياة، فهناك دروس علمية، وهناك دروس سياسية، وهناك دروس قضائية، وهناك دروس عسكرية، وهناك دروس اقتصادية، وهناك دروس عامة أخرى، فمن الدروس العلمية في قصة هذا النبي الكريم بيان شرف العلم النافع وأثره الحسن في صلاح الحياة.
سواء كان علم دين أم علم دنيا، فالعلم نور يشرق على جوانب الحياة الخاصة والعامة, فيرى به صاحبه السبل السوية فيسلكها، والأحوال المرضية فيأخذ بها، ونبي الله داود عليه السلام، كان ممن جمع له علم الدين والدنيا، فكان عالما بالشرع، وعالما بالسياسة، وعالما بالقضاء، وعالما بالصناعة، وغير ذلك، وإن من الدروس العلمية هو شكر الله تعالى على نعمة العلم النافع، وهو علم الدين وعلم الدنيا، فالشكر يزيد هذه النعمةَ ويبارك فيها ويحفظها، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة إبراهيم ” وإن من شكر العلم هو استعماله فيما يرضي الله تعالى كنفع الناس به، والاستعانة به على صلاح الدنيا والدين، وهكذا كان نبي الله داود مع ابنه سليمان عليهما السلام، وفي سيرة نبي الله داود عليه السلام، جانب آخر في حياته المختلفة فيه عظات ودروس، هذا الجانب هو الجانب العسكري، فمن الدروس العسكرية في هذه السيرة النضرة هو المشاركة في الخروج في الجهاد في سبيل الله تعالى، ضد الكفار الذين يفسدون في الأرض، كما خرج داود عليه السلام مع طالوت لقتال جالوت وجنوده، وإن من الدروس العسكرية هو أهمية قتل قائد العدو في حسم المعركة، وأن الرجل العسكري الخافت قد يُبرز شأنه موقف عسكري واحد له أهميته فتعرف بذلك منزلته ومكانته، كما حصل لنبى الله داود عليه السلام في قتله لجالوت، ومن الدروس العسكرية أيضا.
هو أن مدافعة أهل الباطل ورد باطلهم من أسباب صلاح الأرض وأهلها، إذ لو تركوا لفسدت الأرض، فقال الله تعالى فى سورة البقرة ” ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين ” وأن هناك مجال حياتي مهم كان لنبى الله داود عليه السلام، يجب الاعتناء به، والسير في بعض جوانبه قدوة نقتدى به فيه، وهذا المجال هو المجال الاقتصادي، ففي حياة نبى الله داود عليه السلام، دروس اقتصادية متعددة، فمنها الحرص على الاهتمام بالصناعات التي تصلح حياة المسلمين وتدفع عنهم السوء، ومن ذلك الصناعات العسكرية، والاهتمام بالإتقان والدقة في الصناعة، وشكر الله تعالى على تعليمه العبد صناعة من الصناعات، وإن من الدروس الاقتصادية أيضا هو الحرص على العمل والكسب الحلال، والأكل من عمل اليد، دون الانتظار لكسب الآخرين, والسعي لطلب الرزق وكف النفس عن الناس يصلح النفس، ويقوي عود الدين، ويبني المجتمع وينبذ عنه الكسل والكسالى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده” رواه البخاري، وإن من الدروس الاقتصادية أيضا هو وجوب تسخير نعمة معرفة الصناعات النافعة في نفع الناس وإصلاح عيشهم، ودفع الضرر عنهم، وإن من الدروس الاقتصادية أيضا
هو تفاوت الناس في الأرزاق، وهذا راجع إلى علم الله سبحانه وتعالى، وحكمته، فليس الخير دائما في الغنى، وليس الشر في الفقر، بل الخير في الرضا بقسم الله تعالى واختياره، فقال الله تعالى فى سورة الإسراء ” إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس” رواه أحمد والترمذي والبيهقي, وفي هذه القصة ظهر هذا التفاوت بين الخصمين اللذين تخاصما إلى نبى الله داود عليه السلام، ومن الدروس الاقتصادية أيضا هو أن الغنى الطاغي صاحبه قد يسوقه إلى الطمع وعدم القناعة، وإلى ظلم الآخرين والواجب على المسلم إذا أعطاه الله سبحانه وتعالى، الغنى أن يشكر الله تعالى ويقنع بما أعطي، ويتقي ظلم الناس والتعدي على أموالهم وحقوقهم، فأحد الخصمين اللذين احتكما إلى داود ملك تسعا وتسعين نعجة ومع ذلك لم يقنع، بل أراد أخذ نعجة أخيه التي لا يملك غيرها، ومن الدروس الاقتصادية أيضا هو أن الشركة في الأموال مظنة الظلم، إلا إذا كان الشركاء يراقبون الله تعالى، وبُنيت الشراكة بينهم على أسس شرعية ومالية وإدارية صحيحة، وهنا قال نبى الله داود عليه السلام للخصمين كما جاء فى سورة ص ” قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغى بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم “
إرسال التعليق