مجدي درويش يكتب عن نبى الله داود ” الجزء السادس “
ونكمل الجزء السادس مع نبى الله داود عليه السلام، ولقد كان بداية ظهور نبى الله داود عليه السلام عندما قاتل مع جيش طالوت وقتل جالوت الكافر الطاغي والقصة كما جاء في سورة البقرة في قوله تعالى ” الم ترء الى الملأ من بنى اسرائيل من بعد موسى” ولقد قتل داود جالوت وانهزم جيش جالوت فتطلعت الأعين إلى داود عليه السلام وهفت إليك الأفئدة وعظم في اعين بني اسرائيل فولوه عليهم ملكا، ولكن ما الذي نستفيده من قصة نبى الله داود عليه السلام؟ وهو أنه أولا نجد فى العمل من كسب أيدينا فنبى الله داود كان يأكل من عمل يده، وثانيا هو أن نكثر من الشكر لله رب العالمين على كل نعمه التي تغمرنا عملا بقوله تعالى “اعملوا آل داود وشكرا” وأيضا “لئن شكرتم لأزيدنكم” وثالثا أنه أحب الأعمال الى الله أدومها وإن قل، وهذا نبى الله دواد عليه السلام كان يصوم يوما ويفطر يوما وكان يقوم نصف الليل وينام ثلثه ويقوم سدسه فياليتنا نحافظ على قيام الليل لأنه شرف المؤمن، ولقد ضرب أنبياء الله ورسله الكرام عليهم السلام أروع النماذج والأمثلة في دعوتهم وحياتهم، فإلى جانب ما بذلوه من الجهد والإخلاص في الدعوة إلى دين الله تعالى وتبليغ شرائعه للناس، فقد بذلوا كذلك الجهد في تحصيل قوت يومهم وسعوا للكسب سعي عامة الناس في ذلك، بل بيّن القرآن الكريم براعة كثير منهم في صنعتهم ومهنهم ومنهم نبي الله داود عليه السلام.
ولقد كان داود عليه السلام نبيا من أنبياء بني إسرائيل، وقد اشتهر عليه السلام في قومه بالشجاعة الفائقة، والقوة البدنية، ففي إحدى المواجهات بين بني إسرائيل وأعدائهم تمكن نبي الله داود عليه السلام وهو جندي من جنود طالوت من قتل ملك الكفار جالوت، حيث أصبح ملكا لبني إسرائيل بعد ذلك، وقد كان في حكمه لبني إسرائيل مثالا في العدل والأمانة، وكان عليه السلام إلى جانب قيادته وحكمه لشعبه قاضيا يحكم بالحق ولا يظلم الناس شيئا، فقد ذكر الله تعالى في كتابه كيف دخل عليه يوما وهو يصلي في المحراب خصمان بغى بعضهما على بعض كي يحكم بينهما، كما آتى الله سبحانه نبيه داود الحكمة في الأمور، والرشد في القرارات، وقد كان خطيبا مفوها، واشتهر بالعبادة والزهد في متاع الدنيا، وقد أشار نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى أن أفضل القيام والصيام هو صيام وقيام داود عليه السلام حينما كان في صيامه يصوم يوما ويفطر يوما، وفي قيامه كان ينام نصف الليل، ثم يقوم ثلثه، ثم ينام سدسه، وكان في الجانب المهني في حياته عليه السلام أنه اشتهر داود عليه السلام بأنه كان حدادا ماهرا في صنع ما ينتفع به المحاربون والناس عموماً، فقد علمه الله تعالى صناعة الدروع القوية محكمة الصنع، وقد ابتكر عليه السلام طريقة جديدة في صنعها، حيث كان يقدر صناعتها بحيث لا تكون ثقيلة على كاهل المحارب، وليست بالمقابل بالخفيفة.
فقد كانت دروعا سابغات متكاملة في صنعها، كما ذكر الله تعالى كيف منّ على عبده ونبيه داود عليه السلام حينما ألان له الحديد، وإلانة الحديد بلا شك تمكن الصانع من تحويره وتشكيله بالكيفية التي يريدها، والشكل الذي يريده وهذا فضل وتمكين من الله تعالى، ويذكر القرآن الكريم أن نبى الله داود عليه السلام كان في جيش طالوت، الذي يفهم على أن الأخير هو نفسه شاول، وكما هو الحال بالنسبة لجميع الأنبياء، فإنه لا يذكر القرآن الكريم نسب داود عليه السلام ولكن المؤرخين المسليمن نقلوا من المصادر التاريخية المختلفة أنساب بعض الأنبياء ويذكر ابن كثير أن نبى الله داود عليه السلام هو داود بن ايشا بن عويد بن عابر بن سلمون بن نحشون بن عويناذب بن إرم بن حصرون بن فارض بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عبد الله ونبيه وخليفته في أرض بيت المقدس، أما عند الطبري، فقيل باعز بدلا من عابر، وعمينادب بدل عويناذب، ورام بدل إرم، ويذكر بعض المؤرخين المسلمين ومنهم ابن إسحاق وذلك عن وهب بن منبه أن نبى الله داود عليه السلام كان قصيرا، أزرق العينين، قليل الشعر، طاهر القلب ونقيه، وقد تقدم أنه لما قتل جالوت وكان قتله له فيما ذكر ابن عساكر عند قصر أم حكيم بقرب مرج الصفر فأحبته بنو إسرائيل ومالوا إليه وإلى ملكه عليهم فكان من أمر طالوت ما كان وصار الملك إلى داود عليه السلام.
وجمع الله له بين الملك والنبوة بين خيرى الدنيا والآخرة وكان الملك يكون في سبط والنبوة في آخر فاجتمع فى داود هذا، وقد ذكر ابن جرير في تاريخه أن جالوت لما بارز طالوت فقال له اخرج إلي وأخرج إليك، فندب طالوت الناس فانتدب داود فقتل جالوت، وقال وهب بن منبه فمال الناس إلى داود، حتى لم يكن لطالوت ذكر، وخلعوا طالوت وولوا عليهم داود، وقيل إن ذلك عن أمر شمويل حتى قال بعضهم إنه ولاه قبل الوقعة، وقال ابن جرير والذي عليه الجمهور إنما ولى الملك بعد قتل جالوت والله أعلم، وروى ابن عساكر عن سعيد بن عبد العزيز أن قتله جالوت كان عند قصر أم الحكيم وأن النهر الذي هناك هو المذكور في الآية فالله أعلم، وقد أعانه الله على عمل الدروع من الحديد ليحصن المقاتلة من الأعداء، وأرشده إلى صنعتها وكيفيتها وقال الحسن البصري، وقتادة، والأعمش كان الله قد ألان له الحديد حتى كان يفتله بيده، لا يحتاج إلى نار ولا مطرقة، قال قتادة فكان أول من عمل الدروع من زرد، وإنما كانت قبل ذلك من صفائح، وقال ابن شوذب كان يعمل كل يوم درعا يبيعها بستة آلاف درهم، وقد ثبت في الحديث ” أن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وأن نبي الله داود كان يأكل من كسب يده” وقال ابن عباس، ومجاهد، معنى ذى الأيد، أى القوة في الطاعة، يعني ذا قوة في العبادة والعمل الصالح، وقال قتادة أنه أعطي قوة في العبادة، وفقها في الإسلام.
وقال وقد ذكر لنا أنه كان يقوم الليل، ويصوم نصف الدهر، وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وكان يصوم يوما، ويفطر يوما، ولا يفر إذا لاقى” وكما قال الله تعالى ” يا جبال أوبي معه والطير” أي سبحي معه، وذلك أنه كان الله قد وهبه من الصوت العظيم ما لم يعطه أحدا، بحيث أنه كان إذا ترنم بقراءة كتابه يقف الطير في الهواء، يُرجع بترجيعه، ويسبح بتسبيحه، وكذلك الجبال تجيبه وتسبح معه، كلما سبح بكرة وعشيا عليه السلام، وقال الأوزاعي حدثني عبد الله بن عامر قال، أعطي داود من حُسن الصوت ما لم يعط أحد قط، حتى أن كان الطير والوحش ينعكف حوله، حتى يموت عطشا وجوعا، وحتى إن الأنهار لتقف، وقال وهب بن منبه كان لا يسمعه أحد إلا حجل كهيئة الرقص، وكان يقرأ الزبور بصوت لم تسمع الآذان بمثله، فيعكف الجن، والإنس، والطير، والدواب على صوته، حتى يهلك بعضها جوعا، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت أبي موسى الأشعري وهو يقرأ فقال ” لقد أوتي أبو موسى من مزامير آل داود” وقد كان داود مع هذا الصوت الرخيم، سريع القراءة لكتابه الزبور كما قال الإمام أحمد عن أبي هريرة رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
” خفف على داود القراءة، فكان يأمر بدابته فتسرج، فكان يقرأ القرآن من قبل أن تسرج دابته، وكان لا يأكل إلا من عمل يديه” والمراد بالقرآن ههنا هو الزبور، الذي أنزله الله تعالى عليه، وأوحاه إليه، وقد كان ملكا له أتباع، فكان يقرأ الزبور بمقدار ما تسرج الدواب، وهذا أمر سريع مع التدبر والترنم والتغني به على وجه التخشع، عليه السلام، وروى ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضى الله عنهما، أن رجلين تداعيا إلى داود في بقر، ادعى أحدهما على الآخر أنه اغتصبها منه، فأنكر المدعى عليه، فأرجأ أمرهما إلى الليل، فلما كان الليل أوحى الله إليه أن يقتل المدعي، فلما أصبح قال له داود إن الله قد أوحى إلي أن أقتلك، فأنا قاتلك لا محالة، فما خبرك فيما ادعيته على هذا؟ قال والله يا نبي الله إني لمحق فيما ادعيت عليه، ولكني كنت اغتلت أباه قبل هذا، فأمر به داود فقتل، فعظم أمر داود في بني إسرائيل جدا وخضعوا له خضوعا عظيما، وقد ذكر كثير من المفسرين من السلف والخلف ههنا، قصصا وأخبارا أكثرها إسرائيليات، ومنها ما هو مكذوب لا محالة، تركنا إيرادها هنا قصدا اكتفاء واقتصارا على مجرد تلاوة القصة من القرآن العظيم، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، ويقول الله عز وجل ” فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب” أي إن له يوم القيامة لزلفى، وهي القربة التي يقربه الله بها، ويدنيه من حظيرة قدسه بسببها.
كما ثبت في حديث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأقربهم منه مجلسا إمام عادل، وإن أبغض الناس إلى الله يوم القيامة وأشدهم عذابا إمام جائر” وقال ابن أبي حاتم حدثنا جعفر بن سليمان، سمعت مالك بن دينار في قوله ط وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب” قال يقوم نبى الله داود يوم القيامة عند ساق العرش، فيقول الله تعالى يا داود مجدني اليوم بذلك الصوت الحسن الرخيم، الذي كنت تمجدني في الدنيا، فيقول داود وكيف وقد سلبته؟ فيقول الله عز وجل إني أرده عليك اليوم، قال فيرفع داود بصوت يستفرغ نعيم أهل الجنان، وكما كان هناك الخطاب من الله تعالى مع داود، والمراد ولاة الأمور، وحكام الناس، وأمرهم بالعدل، واتباع الحق المنزل من الله تعالى لا ما سواه من الآراء والأهواء، وتوعد من سلك غير ذلك، وحكم بغير ذلك، وقد كان نبى الله داود هو المقتدى به في ذلك الوقت في العدل، وكثرة العبادة، وأنواع القربات، حتى إنه كان لا يمضي ساعة من آناء الليل وأطراف النهار إلا وأهل بيته في عبادة ليلا ونهارا، وعن أبي الجلد قال قرأت في مسألة نبى الله داود عليه السلام أنه قال يا رب كيف لي أن أشكرك، وأنا لا أصل إلى شكرك إلا بنعمتك، قال، فأتاه الوحي أن يا داود ألست تعلم أن الذي بك من النعم مني؟ قال بلى يا رب، قال فإني أرضى بذلك منك.
إرسال التعليق