مجدي درويش يكتب عن نبى الله داود ” الجزء الثالث “

ونكمل الجزء الثالث مع نبى الله داود عليه السلام، وكان نبى الله داود نبيا ملكا ولقد آتاه الله من هباته ونعمه الكثير من ذلك أنه كان رسولا صاحب كتاب، وهو الزبور وهو كتاب من كتب الله لمنزلة واذا كان إبراهيم عليه السلام أوتي صحفا، وأوتى نبى الله موسى عليه السلام الالواح فيها التوراة فإن دواد أوتى الزبور، وآته صوتا جميلا وجمال الصوت عند داود عليه السلام ليس على المعنى العادي الآلى في الأنغام والألحان ونسبها المحدودة ليخرج الصوت جميلا، ولقد كان هذا عند داود، ولكن صوت داود كان له طابع آخر هو الذي أعطى له تلك النفاسة الهائلة التي كانت له وما كان داود يشعر بنفسه وهو يرتل الزبور أي أنه كان مع الله وهو يتغنى بكلمات الكتاب المقدس بل كان فانيا في الله جل جلاله، لقد كان يتغنى ويبكى لقد كان زبورا مترنما فكان لحنا ربانيا، ويعبر القرآن في صورة جميلة عن تأثير داود عليه السلام البالغ اثناء تغنيه وهو سبحانه يسمى ذلك تسبيحا فيقول ” إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق، والطير محشورة كل له أواب” ولقد تكلم المفسرون في القرآن الكريم في عن صوت نبى الله داود عليه السلام، فيقول الأوزعي أعطى داود عليه السلام من حسن الصوت ما لم يعط أحد قط حتى كان الوحش والطير ينعكف حوله حتى يموت عطشا وجوعا وحتى أن الأنهار لتقف، ويقول ابن كثير إن الله تعالى قد وهبه من الصوت العظيم ما لم يعطه أحدا.
بحيث أنه كان إذا ترنم بقراءة كتاب الله يقف الطير في الهواء يرجع بترجيعه ويسبح بتسبيحه وكذلك الجبال تجيبه وتسبح معه كلما سبح بكرة وعشيا وعن عائشة رضى الله عنها قالت سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت أبى موسى الأشعري وهو يقرأ فقال ” لقد أوتى أبو موسى من مزامير آل داود” وكانت الهيئة الثانية بعد حسن الصوت التي وهبها الله لداود هي ” وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون ” لقد علمه الله تعالى صناعة الدروع لتقى المحاربين من سهام الأعداء قال تعالى ” واقدر في السرد” أي لا تدق المسمار فيفلق ولا تغلظه فينفصم، ومعنى ذلك أن الله تعالى علمه صناعة الدروع في اجمالها وتفاصيلها، وكانت صناعة الدروع مهنته التي يتكسب منها عيشه، ورغم ما كان عنده من ملك وغيره كان يعيش من عمل يده عليه السلام، ومن الهبات التي منحها الله تعالى لداود عليه السلام هبة القوة يقول سبحانه ” واذكر عبدنا داود ذا الأيد” والأيد تعنى القوة، ولقد كان داود عليه السلام قويا في كل ما يأتي من الأمور فكان قويا في أمور العبادة في الصلاة والصيام وغيرهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث النبوي “أحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وكان يصوم يوما ويفطر يوما ولا يفر اذا لاقى ، وكان قويا في بكائه حينما كان يرتل الزبور وكان قويا في السيطرة على مملكته.
فقال تعالى ” وشددنا ملكه” أما العقل والمنطق فيقول تعالى ” واتيناه الحكمة وفصل الخطاب” وهذا من القوة وهو الذي قتل جالوت وكان جالوت جبارا قويا، وكذلك قضاؤه في الخصومة يقول تعالى ” وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط إن هذا أخى له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب ، قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب فغفرنا له ذلك وان له عندنا لزلفى وحسن مآب” ولقد كان داود عليه السلام يعتكف أحيانا ويترك أمر الملك دون تصريف وللناس مصالح وعلى الملك للجمهور تبعات وبينما هو معتكف إذ دخل عليه رجلان واشتكى أحدهما من الآخر، وفصل داود بينهما فلما ذهبا فكر داود في الأمر وظن أن الله تعالى فتن بأن حبب إليه الإعتكاف حتى بلغت حاجة الناس إليه أن يتسوروا عليه المحراب وظن داود أنه اساء اساءة بالغة فأخذ في الاستغفار وخر راكعا وأناب فيقول الله تعالى ” فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب، اي له قربة عند الله ومرجعا حسنا وكرامة في الآخرة.
ويقول الله تعالى ” ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب” ولقد تحدث القرآن الكريم وتحدث الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة وعلماء الإسلام عن العدالة في كثير من المواقف فعن العدالة مع الأعداء يقول الله تعالى ” ولا يجرمنكم شنان قوم أن صدركم عن المسجد الحرام أن تعتدوا” ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” المقسطون عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يقسطون في أهليهم وحكمهم وماولوا” رواه مسلم، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا “إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة واقربهم منه مجلسا إمام عادل وإن أبغض الناس الى الله يوم القيامة وأشدهم عذابا، إمام جائر” رواه أحمد والترمذي، أما عن عدل نبى الله داود عليه السلام فلقد خاطبه ربه ياداود إنا جعلناك خليفة في الارض فلا بد أن تقيم عدل الله بين الرعية ويكون الحق هو ميزان حكمك، ويحذره من أن يحكم بهواه أو من تلقاء نفسه فيضل عن الطريق الحق ويبتعد عن المنهج الذي رسمه الله تعالى له ثم بين له جزاء من يبتعد عن دين الله وعن الحق والعدل ” إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب” وهذه وصية من الله عز وجل لولاة الأمور أن يحكموا بين الناس بالحق المنزل من عنده تبارك وتعالى.
ولا يعدلوا عنه فيضلوا عن سبيله، ولقد روت كتب التفسير وكتب التاريخ شيئا من حكمه من ذلك، مارواه عبدالله بن المبارك في كتاب الزهد عن وهب بن منبه قال إن في حكمة آل داود عليه السلام، على العاقل أن لا يغفل أربع ساعات، ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يصغي فيها إلى اخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدفونه عن نفسه وساعة يخلى بين نفسه وبين لذاته فيما يحل ويجمل، فإن هذه الساعة عون على هذه الساعات، واجمام للقلوب، وحق على العاقل أن يعرف زمانه، ويحفظ لسانه، ويقبل على شأنه وحق على العاقل أن لا يظعن إلا في إحدى ثلاث زاد لمعاده ومرمة لمعاشه ولذة في غير محرم، وعن أبي شهاب قال، قال داود عليه السلام، الحمد لله كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله، فأوحى الله إليه إنك اتعبت الحفظة ياداود، كيف يكتبونها وبأي صيغة يصيغونها ولما نزل عليه قوله تعالى ” اعملوا آل داود شكرا” فقال داود عليه السلام يارب كيف اشكرك والشكر نعمة منك يعنى كونك عرفتني طريق الشكر فهو نعمة فإذا بالنداء الإلهي يقول له ” ياداود الآن قد شكرتني علمت أن النعمة منى” فاعتراف العبد بأن هذه النعم التي تغمره هي من عند الله تبارك وتعالى فهذا أعظم انواع الشكر ولذلك قال تعالى ” لئن شكرتم لأزيدنك”
ويقول تعالى ” وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين” وفي توضيح معنى هاتين الآيتين قال ابن مسعود رضى الله عنه كان ذلك الحرث كرما قد نبتت عنا قيده، نفشت فيه غنم القوم والنفش يكون بالليل، والهمل أو الإهمال يكون بالنهار، وقول ابن مسعود كرم يعنى حديقة انبتت عناقيدها فأفسدته الغنم فكان حكم داود أن قضى بالغنم لصاحب الكرم فقال سليمان غير هذا يابنى الله قال وما ذلك ؟ قال تدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان، وتدفع الغنم غلى صاحب الكرم فيكون لهم أولادها والبانها ومنافعها حتى إذا كان الكرم كما كان دفعت الغنم إلى صاحبها ودفع الكرم إلى صاحبه فقضى داود بهذا الأمر والروايات كثيرة لكن نكتفى بهذا، وقد تزوج النبي داود عليه السلام عليه السلام من تسع نساء، وهم معكة بنت تلماي، ومجيث وأبيطال، وأبيجال الكرملية، وعجلة، وميكال ابنة شاول، وأخينعوم البزرعيلية، ومقلة بنت تلماي، ويتشوع بنت عميئيل، وأما عن ميكال ابنة شاول وهي الزوجة الأولى للنبي داود عليه السلام، وكان مهرها مائة غلفة من غلف الفلسطانيين، ولكنه أعطى مهرا لأبيها شاول مائتي غلفة من غلفهم، كما ذكر في سفر صموئيل الأول، بالرغم من استهزاء الملاحدة من هذا المهر.
وقولهم أكان شاوول يريد أن يسوي من هذه الغلف جميلا ويعيطه ابنته في الجهاز، أم كان غرضه شيئا آخر، وأما عن قصة ارتباط نبى الله داود عليه السلام بزوجته ميكال وهى أنه عندما كان في الثالثة عشرة من عمره خرج يرعى أغنام أبيه، وأصبح يراقب إخواته الذين خرجوا للقتال في جيش طالوت ضد جيش جالوت، وعندما تبيَّن أن جند جالوت يكثرهم عددا، لم يجرؤ أحد على قتال جالوت سوى النبي داود عليه السلام، ولكن طالوت لم يوافقه فأصر عليه داود، ثم سمح طالوت للنبي داود عليه السلام بقتال جالوت مكرها، وكان النبي داود عليه السلام يرمي بالمقلاع ويصيب الأهداف ويعود سبب ذلك أنَه كان راعيا للأغنام، وهزأ به جالوت ولكن انتصر داود عليه السلام فسقط جالوت قتيلا بسهام داود عليه السلام، وانهزم في المعركة وفرَّ جيشه هاربا، وانتصرت القلة المؤمنة على الكثرة الباغية، وبعد انتصار النبي داود عليه السلام، أراد طالوت أن يكرمه فزوجه ابنته الوحيدة ميكال، وكانت الزوجة التقية الصالحة الوفية البارة المخلصة، وقد أنجب نبى الله داود عليه السلام ذكورا وإناثا وهم كجبار، واليشامع، وأليفالط، ونوجه، ونافج، ويافيع، واليشاماع، وإلياداع، وإلينلاط، وشمعا، وشويا، وناتان، وسليمان، ويثرعام، وشفطباة، وأودنياة، وأبشلوم، ودانيال، وأمنون، ترادف نعم الله على عباده عامة وعلى أنبيائه وأوليائه خاصة لا ينكره إلا جاحد.

إرسال التعليق

قد يعجبك ايضا