مَد وجَزْر

اغلبنا يعلم ظاهرة المد والجَزر التي تحدث لمياه البحار والمحيطات،وكيف يرتفع ويزداد منسوب المياه في ظاهرة المد،وانحسارها وانخفاض منسوبها في الجَزر,وأن الشمس والقمر هما أحد الأسباب الرئيسية لتكوين هذه الظاهرة بفضل جاذبيتهما،فضلاً عن دور الأرض والذي لا يقل أهمية عن النجمين السابقين بحركة دورانها،ولكن هذه المقالة ليست مقالة علمية تدور حول علوم الفضاء وما إلى ذلك،ولكن مع تأملي لقضية اجتماعية بعينها-والتي ستتضح لاحقًا- وجدت أنه هناك قاسماً مشتركاً بين ظاهرة المد والجزر وهذه الظاهرة الاجتماعية،ولهذا سُمِّيَتِ المقالة بهذا الاسم.

أيُ علاقة على وجه الأرض تتألف من شخصين على الأقل،ولن أضيق الدائرة على فئة بعينها كالأزواج مثلاً أو من هم مقبلون على الزواج،بل يجوز جداً أن تكون العلاقة بين الإخوة،الأصدقاء،الأقرباء،وسنقول أن هذان الشخصان يمثلان الشمس والقمر وأن العواطف والمشاعر والانفعالات المشتركة بينهم والحوار الذي يدور بينهم يمثل المد والجزر،فمنهم من يمثل المد،يفيض ويزيد في عطائه وحبه ومشاعره وبديع حواره وأسلوبه،والآخر يمثل الجزر والذي بدوره يفتقد وتنحسر عنده المشاعر والانفعالات الإيجابية والحب وغيره،ومن هنا تبدأ النَزَعَاتُ الدَاخِلِيةُ في النفوس بالتصارع! فيطرح كل من الطرفين سؤالاً..من الذي على حقٍ؟ أنا أم هو؟ حينها يبدأ كل طرفٍ بنثر مبرراته بأنه على صوابٍ ولا شأن له بتقصير الآخر!! إنها حقاً مُعضلة!

وأطرح عليكم سؤالاً وهو محور حديثي في مقالتي هذه وهو ..هل فيض طرفٍ ومده,وآخر بانحساره ونقصه يمثل عدلاً أو شيئاً مقبولاً؟هل هذه القضية حسنة أم سيئة؟ أقول..

هي حسنة وسيئة في الوقت ذاته،فكيف ذلك إذاً؟،أقول أنه عندما نعطي ونفيض كالمد لا ننتظر الرد باعتبار أننا قد هيأنا أنفسنا للعطاء باعتبار أنه شيئاً عادياً وطبيعي الحدوث،والآخر يجد من يفيض عليه فلا يتكلف بالرد ويكتفي بالأخذ والتلقي فقط، هذا لأنه قد ضمن وجودك وعطاءك ومن ثم يبدأ الطرف الأول بالجزع من الطرف الآخر,ويبدأ بالتوقف فجأة عن العطاء والفيض، فيتفاجأ الطرف الثاني بذلك فيجزع!،إذ أنه اعتاد العطاء وأن ذلك مخالفاً لما اعتاد عليه،صحيح وهل هناك مدٌ بلا جزر؟! فتبدأ الخلافات والصراعات وهذا هو الجانب السيئ في هذه المعادلة.

أما عن الجانب الحسن فيها أنه يجب استخدام المد والجزر في الوقت ذاته معا،ًولكن بروية،كيف ذلك؟ أقول..

أنت عندما تعطي وتفيض وتغدق على غيرك تعلم أنك تفعل،حينها اعط ولكن بحدود ولا تستمر في العطاء،توقف قليلاً تدريجياً كي يشعر الآخر أنك تعطي وأن عطاءك يقل فيبدأ بإثارة اهتمامك ليحصل على عطائك مرة اخرى،قِس على ذلك جميع أحوالك وتعاملاتك،لا يجب أن تكون فقط المد،اظهرفي حياتهم حيناً واختفِ أحياناً،اجعلم يشعرون بفارق وجودك مع عدمه،أما إذا دام وجودك ضمِنوه وقل الاهتمام بك بل وكأنك ظل لا يبالِ به أحداً.

موضوعي هذا عن تجارب كثيرة،منها الشخصية،ومنها عن الغير،استنبطتها من خلال حديثي معهم وتحليلي لانفعالاتهم ومشاعرهم،فحقيقة دوام المشاعر حقيقة وهمية لا أصل لها إطلاقاً وإن وجدت فلا تدوم،فدوام الحال من المحال،ولكن مع تلك النظرية دوام الحال ليس بمحالٍ.

إرسال التعليق

قد يعجبك ايضا